المسألة هي الشعب السوري

لقد ثبت أنه لا ثورة أصعب من ثورة الشعب السوري. ويرجع ذلك لثلاثة أمور: وقوع سوريا على الحدود مع فلسطين المحتلة، مما يجعل إسرائيل وحلفاءها على تمسّك وثيق بالنظام القائم، الذي أمّن لها الحدود منذ العام 1973 رغم احتلال الجولان والذي أضاعه النظام هذا عام 1967. والأمر الثاني وقوع سوريا في بؤرة منطقة النفوذ الايراني، والذي تسبّب في ظهورها وظهوره وامتدادهما الغزو الأميركي للعراق عام 2003 باتفاق مهادنة بين أميركا وإيران وصل عام 2005 إلى حدود الشراكة في كل من أفغانستان والعراق. وإيران تقول اليوم إن محورها يمتد من طهران إلى بغداد ودمشق وبيروت، وهي لن تتخلى عن أي من تلك المناطق. والأمر الثالث تحوّل الجيش الوطني السوري أيام الأسد الأب والابن، إلى كتائب مسلحة مهمتها الوحيدة حماية حكم العائلة والطائفة، وتأمين السطوة والخدمات للنظام الإقليمي والدولي فيما بين العراق وفلسطين وسوريا ولبنان.
إنّ عظَمة الثورة، ثورة الشعب السوري من أجل الحرية والكرامة، أنها أدركت منذ الأيام الأولى هذا الواقع المعقّد، وقررت التمرد عليه. ففي الأسبوع الثاني لتمرد درعا العظيمة، كان شعار المتظاهرين: لا إيران ولا نصرالله، بدنا ناس بيخافوا الله!.

ومنذ تلك الأيام الملحمية المستمرة لأكثر من عام، أظهر الشعب السوري قدرة هائلة على البذل والعطاء: من الدم والدموع والمعتقلات والتهجير والاندفان تحت أنقاض المنازل، والتركيز من جانب الشبيح الأكبر على قتل الأطفال، وهتك الأعراض. سمعتُ شاباً من حماة يقول على إحدى القنوات قبل أسابيع: لا شيء أغلى من الحرية إلا الحرية! والشعب السوري يشتري ذلك كلّه ولا يملك أو ما عاد يملك شيئاً للبيع. وقالت لي نازحة من دوما إلى إحدى قرى البقاع اللبناني ومعها بناتها الأربع: تردّد زوجي وإبني في الانضمام إلى الثورة بسبب الخوف علينا، ولذلك قررت تحرريهما من همّنا بالهرب لكي يقاتلا وهما مطمئنان إلى أننا آمنون نسبياً، فلا شيء يا أخي أغلى من الكرامة!.

إن المسألة الآن، وفي كل آن هي مسألة الشعب السوري، الشعب الذي أعطى ويُعطي بدون حدود ومن كل غال ونفيس لا يضحّي برخيصه بشرٌ إلا من أجل هذه الاعتبارات العليا، التي تصنع إنسانية الإنسان ولا شيء غير!.
إن الشعب السوري الذي يتقدّم مع كل شهيد من منزلة الحرية، لا يحرّر نفسه من العصابات التي حكمته على مدى عقود وحسب، بل إن نضاله إنما يحرر بلاد الشام كلها والعراق وفلسطين من الذل والهوان والاحتلال والاستقطاب. فالشعب السوري يخرج بالدم من عقود الاستعباد، والشعوب العربية الأخرى تخرج من الرهانات والارتهانات، ومن مقايضة الكرامة والحرية بالاستقرار المزوّر، والعبودية الجاثمة:

فلا مَهْـرَ أغلى من علي وإنْ غلا
ولا فتْك إلا دون فتْك ابن مُلجمِ

السابق
الراي: تشييع شعبان من بيروت إلى الجنوب وسط تضامُن إعلامي و… غضب
التالي
بين المعلم والمقدسي