النكتة علاج بالضحك..

العلاج بالضحك! آخر ما توصّل إليه العلماء الذين ينصحون الناس بالضحك، ثم الضحك لكي يعيشوا أفضل وأطول. واللبنانيون، كغيرهم من الشعوب، يجدون في النكتة وسيلة للاسترخاء، وقد عرف عنهم تعلقهم الشديد بتداول أحدث النكات وسؤالهم: "شو سامعلنا آخر نكتة؟". وما إقبالهم على برامج النكات إلا دليل على تتبّعهم لـ"مستجداتها"، ولاسيما منها "الدسمة"!

من يجيد رواية الطرفة هو فنان، إذ يجب ان يتمتع بقدرة على الإلقاء وخفة دم ودماثة خلق. وكم من مرة سمعنا الطرفة نفسها من شخصين مختلفين ضحكنا لأحدهما وبالكاد ابتسمنا للثاني. في لبنان أكثر من شخصية اشتهرت بظرفها، وذاع صيتها حتى وصلت اخبارها إلى العالم العربي، أمثال آل الخازن وعلى رأسهم فيليب ورشيد الخازن، على ما يفيد جورج حريق الذي تخرج من برنامج ستوديو الفن عام 1973، فائزاً لفئة التقليد. وتميز حريق بالقاء النكات المرفقة بتأثيرات صوتية معينة لأنه عُرِف بتقليد أصوات السيارات والآلات الموسيقية وكذلك أشهر نجوم الفن في لبنان، مما جعل نوعية نكاته تخرج على المألوف.
وفي دردشة مع "نهار الشباب"، ذكّر حريق بأن "النكتة الخازنية كانت جزءاً لا يتجزأ من السياسة اللبنانية، مارس أصحابها العمل الوطني فكانوا أعضاء بارزين في مجلس النواب والحكومات المتعاقبة فنقلوا النكتة إلى الحقل السياسي". وعرفت النكتة الخازنية باللمحة الخاطفة والإيجاز البليغ، إذ "كان آل الخازن يرتجلونها في لحظتها ولا يتورعون عن التنكيت مع الناس وعلى الناس، وحتى على أنفسهم، حين يتطلب الموقف، لو كان حزيناً".
والمعروف ان النكتة، هي تماماً كالشعر والأدب والموسيقى والرسم، فن تعبيري في ذاته، فيها من الأبعاد والشفافية والجمالية ما يضعها في مصاف هذه الفنون. هذا ما يؤكّده حريق الذي أشار إلى ان الراحل عمر الزعني كان أحد رواد الطرفة، وقد طورها ليحولها مونولوجاً يحكي متاعب الناس وينتقد أعمال السياسيين، واصفاً الزعني بـ"اللاذع الذي يهابه السياسيون ويخافون من سطوة لسانه فيحسبون ألف حساب لإنتقاداته". ويحكى ان سعر الفرنك الفرنسي في تلك الحقبة شهد هبوطاً ملحوظاً، فأطلق بالمناسبة اغنيته المعروفة "يا فرنك يا فرنك حاسب".
والنكات أنواع، منها السياسية ومنها الإجتماعية أو الموسمية أو الخفيفة، و"كلها تهدف إلى رسم الإبتسامة على ثغور سامعيها. وهنالك أيضاً النكات المرتبطة ارتباطاً وثيقاً بكاريكاتيرات معينة، كتلك المبتكرة عن شخصية ابو العبد مثلاً، أو التي تتناول أهالي منطقة بعينها"، وفق حريق. ولعل أشهر النكات "تدور حول سكان مدينة زحلة البقاعية التي جعل منها ابناؤها الراحل نجيب حنكش محوراً مميزاً للنكات، وكذلك الراحل رياض شرارة من بلدة مشغرة. وقد جمعت نكات حنكش في كتاب خاص تضمن أكثر من مئتي طرفة.

وكثيراً ما يتساءل الناس عن مصدر نكتة معينة وعن كيفية "صناعتها"، إذ يخيل للبعض ان مصدرها واحد، وان كل شخص يرويها على طريقته، فيما يؤكد آخرون انها مستوردة أو مقتبسة من كتب ومراجع خاصة. في هذا السياق، يقول حريق: "محمد شبارو أحد نجوم مسرح الشانسونييه المعروفين، والذي اتخذ من شخصية أبو العبد مثلاً عنواناً بارزاً لنكاته، استوحى بعض الطرائف التي يلقيها على المسرح من موقف أو شخص معين". ويضيف: "عادة تروج النكات الموسمية التي تتلاءم مع حدث بارز على الساحة اللبنانية أو العربية كانتخاب رئيس جمهورية جديد أو حكومة جديدة أو زيارة مسؤول كبير للبنان ويتم تداولها بين اللبنانيين فيحاولون حفظها في ذاكرتهم ويروونها بدورهم للآخرين"، معتبراً ان القاء الطرفة "يتطلب خفة ظل وسرعة بديهة، بحيث يستبدل قائلها أي موقف بموقف آخر إذا تطلب منه الأمر ذلك".
وبعض الناس لا يستطيعون حفظ النكات والقاءها، إذ ما إن يسمعونها حتى تتبخر من أذهانهم من دون معرفة السبب. ويرد حريق على هذه المشكلة ان "الأمر مجرد عادة، علينا تكرار المحاولة أكثر من مرة لننجح في حفظ الطرفة". ويجيب رداً على سؤال عن رد فعله في حال لم يتجاوب الجمهور مع نكاته: "نادراً ما يحصل معي هذا الأمر، حينها تكون النكتة لا تلائم الجمهور الموجود، فأستدرك الأمر بنكتة آخرى مناسبة. عادة ما تحمل طرائفي توقيعي، وأحدثها تلك التي تتناول عادات اللبناني"، فيروي قائلاً: "كيف بإمكانك التعرف إلى لبناني موجود في باريس؟. نقول له: بونجور Bonjour فيجيبنا بكل ثقة بالنفس: بونجورين". وفي هذا المجال لا يسعنا الا ان نذكر نجوماً لبنانيين عرفوا بذاكرتهم المرتجلة على المسرح، فكانوا بمثابة عنوان للبسمة حتى في احلك الظروف واصعبها أمثال الراحل فيلمون وهبي الذي اتخذ منه الرحابنة رمزاً "للفقشة" المرحة التي ميزت مسرحياتهم من خلال شخصية "سبع" التي كان يجسدها بطرافة.
ويلاحظ القيمون على الساحة الفنية ان عدد الفنانين الذين يمارسون مهنة المونولوج أو تقديم برامج السهرات الفنية من خلال القاء الطرائف على الحاضرين لا يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة، بينهم سامي مقصود الذي عرف بشخصية "أبو الشباب"، و"ظريف العرب" عبد الرحمن الخوجة الذي يتخذ من هذه المهنة هواية ليس اكثر. أما ايلي ايوب الملقب "ضاحك الليل" فيمارس هذه المهنة منذ أكثر من ثلاثين عاماً، وقد جمع المونولوج والطرائف، فالتقط خيط الضحك من طرفيه. وايوب لا يحضِّر مسبقاً الطرائف التي يلقيها على المسرح بل انه غالباً ما يسأل الجمهور مباشرة عن نوع النكات التي يفضل سماعها…   

السابق
خلاف في الداخلية
التالي
ميـاه نبـع الطـاسـة تختلـط بجـور الصـرف الصحـي في النبطية