هل تعود الثورة إلى.. شبابها؟

كان بالإمكان التسامح مع عدم "ائتلاف" المعارضة السورية حول برنامج سياسي، لو أن في اليد ائتلافا أساسيا آخر. فحتى الآن، لم تستطع القوى الثورية الشابة ذلك. هذا الأمر أكدت أهميته ثورة مصر. هناك، تمكّن شباب الثورة من تشكيل تكتل واحد، في حد أدنى من الانسجام على أهداف عريضة مبدئية. نالوا تعاطف الشارع، وتأييده، ضغطوا على بقية المعارضة التقليدية التي هدّدت بالعزلة في حال "خانت" الثورة. هذه القوى الشابة، والشارع خلفها، مثّلت ضمير الثورة وبوصلتها، واستطاعت بعد عام تشكيل موجة ثورية جديدة، وهي تردد الآن أن "الثورة مستمرة". في تونس حصل ما يشبه ذلك. لماذا تعذر الأمر في سوريا؟

حسام القطلبي، معارض سياسي شاب وعضو المكتب السياسي للجان التنسيق المحلية، يقول إنك إذا أردت معرفة ذلك، فعليك العود إلى السياق السابق للثورة. فهو يرى أن في مصر وتونس توفّر حد أدنى من المجتمع المدني، تجلّى بتشكيلات نقابية أو حركات سياسية لم تكن سريّة أو محظورة، وأمكنها العمل داخل أوساط وشرائح اجتماعية مهمة، كطلاب الجامعات والعمال، وغير ذلك: "كانت لها منابر إعلامية، على محدوديتها، ساهمت بالاتصال مع الرأي العام في البلدين".
أما في سوريا، فلا شيء مما سبق كان موجودا. بل فقط "تصحّر سياسي"، كما يصفه حسام، تجلّت نتائجه في لحظة انطلاقتها المفاجئة، مولدا لحظة ارتباك وفراغ. أعادت الثورة الشباب للانخراط بالشأن العام، وأثمر هذا في ظهور التنسيقيات. عملت هذه التجمعات، مازجة الميداني بالسياسي، لتعويض نقص التغطية الإعلامية، ولاحقا بذلت جهدا كبيرا لتنفيذ أعمال الإغاثة، كما طرحت لجان التنسيق المحلية أول رؤية متماسكة للحل السياسي.
هذا الدور الذي لعبته التنسيقيات جعلها العدو الألد للنظام بداية الثورة. حسام، القادم من أسرة يسارية لوحقت طويلا في سوريا، يمثل بدقة ما اعتبره النظام النموذج الأخطر عليه: "شاب، يمتلك شخصية قيادي. محترم في وسطه الاجتماعي، مما يتيح له قدرة على التأثير في المزاج العام. ويتقاطع في شخصه العمل الميداني مع قدر معقول من الوعي السياسي".

نكّل النظام بأعضاء التنسيقيات، قتل واعتقل، فلم تحظ بهامش حركة مريح، ولم تنتج ائتلافا واحدا يقود الحراك.
لكن ذلك ليس كل شيء. يخبرنا السياسي الشاب، المقيم في هولندا منذ سنتين، أنه جرت محاولات عدة لخلق إطار جامع للقوى الثورية الشابة، لكنها طالما اصطدمت بعوائق أبرزها أن "الناس لا تعرف بعضها، وهناك الشللية والعلاقات الشخصية، والطابع الشديد المحلية للتنسيقيات".
بعد لجان التنسيق، جاء "اتحاد تنسيقيات الثورة السورية" وقال إنه الكل تقريبا. لاحقا انصهر في إطار أوسع هو "الهيئة العامة للثورة السورية"، التي تأسست في 18 آب 2011، وقالت إنها ناتجة عن اندماج "كافة تجمعات الثورة السورية الموقعة أدناه، وتجمعات أخرى توقع لاحقا". لا خيار للآخرين إذاً، سوى التوقيع. لكن لم يوقع الجميع. لجان التنسيق شكلت "تحالف غد" مع ست قوى، أبرزها "شباب 17 نيسان"، وأصدروا بيانات مشتركة من دون أن يندمجوا. وفي ليلة دهماء، في 4 أيلول، هبط من سمى نفسه "المجلس الأعلى لقيادة الثورة". خرج شخص يدعى واصف الشمالي وتحدث باسم "المجلس"، طفح كيل الرجل وقال لـ"بي.بي.سي" إن كثرة التنسيقيات وخلافاتها لا تعنيه، ليذهبوا ويتفقوا، فهو يريد ممثلين اثنين عن كل محافظة. نقطة!
وليس سرا أن الهيئة والمجلس يغلب عليهما التوجه الإسلامي، فيما يغلب الطابع اليساري على لجان التنسيق المحلية.

لم يفلح الداخل في انتاج ممثله السياسي. اتجهت الأنظار إلى "المجلس السوري الوطني"، وصار حسام القطلبي عضوا فيه عن لجان التنسيق. وقف المعارض الشاب خلف برهان غليون، وهو يعلن ولادة المجلس. كانت رسالة واضحة بأن قوى الثورة الشابة تدعمه وتدرك أهمية توفر بديل للنظام، وتعده الأولوية. بقيت القوى الشابة تمارس أدوراها المعتادة، وبدا أنها بالاسم عضو في المجلس. تنازلت عن دورها الموجه للثورة، ولم تكسب شيئا. والنتيجة الآن ليست مشجعة، وهي كذلك برأي حسام: "المجلس بدل أن يساهم في مركزة قرار قوى الحراك الثوري، ساهم بشكل كبير في تشتيتها". وهكذا، ساهم عجز المجلس وبروز خيار التسلح في "عدم امتلاك الثورة الآن لجزء كبير من قرارها".
لكن لكل تلك الأسباب أيضا تعود إلى الواجهة أهمية وجود ائتلاف للقوى الثورية الشابة. وهنا، يكشف حسام عن "رؤى أولية" يجري تدولها لخلق إطار جامع، ويوضح طبيعة هذا المسعى: "هناك صياغات يتم العمل عليها بين أفراد مختلفين من تشكيلات الحراك الثوري وآخرين من المجالس المحلية. المهمة الأساسية هنا هي خلق مكون شبابي جامع يساهم في تصحيح مسار عمل المجلس الوطني ويعلن برنامج عمل الثورة في المرحلة المقبلة، ويعيد المبادرة إلى الشباب السوري وثورته. هذا عمل كبير ولكن لا بد من إنجازه في وقت قريب"، يبقى الأمل.

السابق
بين خطاب الدولة ودعم الإرهاب؟
التالي
رئيس جمعية حماية المستهلك زهير برو: وضع كل المسالخ في لبنان مذري