ذئاب الربيع اليهودي تهاجم الراعي

عام مضى على انتخابه بطريركاً على أنطاكيا وسائر المشرق، راعياً لكنيسة ما زال بعض "حكمائها"، ولو كانوا قلّة، يعيشون في غربة عن الكلمة وغياب عن الحق في عالم بعضه مطبوع بطابع الكآبة منذ الماضي السحيق، ولا يختلف البتة عن الحاضر المعاصر للتيارات التكفيرية التي أتعبت السواد الأعظم من تجوالها في هذا العصر تفتش بضياع ملحوظ عن تجسدات في هذا الزمن غير مرتبطة بما توحيه كلمات وحكم وتعاليم سامية كتبت أو أنزلت أو أشار الى مضامينها ومقاصدها السامية رسول أو مصلح اجتماعي…

عام مضى على تسلّمه مسؤولية الكلمة بعدما دخلت على مدى زمني بعيد عالم الغياب ورهينة تاريخ زائف وغياب للفكر والوجود وانغمست في حيرة إنسانية انزلقت بها الى قاع مظلم من استنباط مفاهيم جديدة لا تمت الى أصالة بداياتها وصوابية مدلولاتها وحقائق تناميها عبر عصور من التراث الحقيقي، ومن أهم مسببات تلك "الانزلاقات" أن بعض السلف استبدلوا وطن الإنسان ومنابع الوحي بأوطان الحروب والعنصريات وعوالم المال ومرابع اللهو والاسترخاء!… فمنذ تتويج البطريرك بشارة الراعي على الكرسي الأنطاكي أوحت كلمات خطابه الأوّل بصدق أنه منقّبٌ عن رسالة الحق والأصالة المشرقية وتراثها الدفين ليبعثها من جديد فلسفة ولاهوتاً وقيماً إنسانية ومورداً صافياً للذين يغرّدون خارج أسرابهم وأصالتهم.

لم يرضِ البعض ما ورد على لسان البطريرك الجديد في المواقف القومية والوطنية أو في تصويب مسار الكنيسة التي فقدت بوصلتها في بعض المراحل الحرجة التي مرّ بها الوطن سابقاً، والمشككين في صوابية استشرافه لمستقبل المشرقيين في أوطانهم وأماكن حضورهم في ظل ما سمّي زوراً بـ "الربيع العربي" الذي لم تتفتح "أزهاره الموعودة" إلا قتلاً ودماراً وتفجيرات مجرمة أزهقت أرواح الآمنين الذين يرفضون عن قناعة تامة "ربيع المخالب الطائفية" وأنياب ذئابه الكاسرة التي تنهش جسد هذا الوطن وتتلذذ بدماء أبريائه وحُماته الذين يستشهدون دفاعاً عن حريته وعنفوانه.

أراد المعترضون على مواقف البطريرك الراعي التي أعلن عنها بجرأة واضحة في لقائه مع الرئيس الفرنسي، وفي تصريحاته المتكررة أمام المسؤولين الأجانب الذين التقاهم وفي زياراته الى أميركا وغيرها من البلدان… إعادة البطريركية المارونية الى سياسية الانحناء أمام الإملاءات الأميركية و"الإسرائيلية" والتطبيع مع الأفكار المتصهينة التي تنخر كالداء العضال جسد الكنيسة الغربية التي باتت أقرب الى اليهودية منها الى المسيحية بعدما تكاثرت في ولاياتها وفي بعض أوروبا أيضاً أعداد المسيحيين الصهاينة الذين يتنكرون بوقاحة وخبث للمسيحية المشرقية ويقبّحون مبدعيها الذين كانوا أهل استنباط عندما كان الغرب يعيش في الاعتباط والضياع، وحاول أولئك المعترضون الذين يبشّرون بعدم الخوف من تسلّم "الأخوان" مقاليد الحكم أن يشرعوا عيوب مواقفهم السابقة والحاضرة الملاصقة للتفرقة والخداع على امتداد مراحل "نضالهم" في مستنقعات المذاهب والطوائف و"إنجازاتهم" في اقتحام البحار والجزر والعودة منها "بحقائب اللؤلؤ" والمرجان وما شابه.

تمّ انتحاب البطريرك الجديد في زمن الشرق المظلوم والمتآمر عليه وعلى أديانه التوحيدية، وبدأ محاولاته الحثيثة للوقوف في وجه الردة الجديدة المشبوهة ضد التراث المشرقي والدفاع عن مصيره الروحي والإنساني والوطني، وبدأ بكشف النوايا الخبيثة التي تعتمد براءة الفطرة في شعوبنا للنفاذ منها الى غايات إجرامية وتقسيمية، واعتمد العقل والحق في قوله لتحرير الكلمة الأسيرة وإطلاقها الى الرحاب الأوسع ورفض الانغلاق والحياد أو"النأي بالنفس" في المسائل المصيرية، لذلك كانت مواقفه مواقف الرجل المسؤول فأعاد الى الحقيقة وجهها المشرق الذي افتقدته زمناً طويلاً… أمّا القول الذي جاء على لسان أحد الحاقدين: "إنكم ستترحمون على السلف كثيراً"! فنردّ عليه بأننا فعلاً نطلب الرحمة للسلف لأنه لم يعش أبداً فرح العطاء وأفسح المجال بصمته المطبق، عن قصد أم عن غير قصد، لتجار الدم أن يمارسوا إجرامهم من دون أن يبدي امتعاضه أو إدانته ولو مرة واحدة لكل ما يتعارض مع تعاليم التسامح والمحبة التي أرادها الناصري، ولأنه مارس انحيازاً موصوفاً في تعامله مع القضايا الوطنية والمصيرية وناصر فئه على فئة حتى داخل رعيته وعلى امتداد ساحة الانتشار المسيحي.

كلمة لا بد منها: لم يكن وحده الاسخريوطي من باع معلمه بثلاثين من الفضة بل هناك الكثيرون من أصحاب "النبوءة والاستشراف" والماضي الأسود المبشّرين بصوابية التعامل مع "الواقع الجديد"، تجار الدم والمال الموبوء يبيعون أوطانهم ومعتقداتهم وأحرار أمتهم كل يوم في مواسم "الربيع اليهودي" في بلاد النفط والغاز بأرقام، كلٌّ بمقدار عمالته ومستوى خيانته وتآمره

السابق
جعجع يلاعب الراعي انتخابيّاً
التالي
معرض جوّال في صيدا لمنع التدخين