أنا… لا اخطىء!

سياسة، اقتصاد، سياحة… تختلف موضوعات المناقشة وثقة نبيل بحديثه وأفكاره لا تتزعزع، فهو "دائماً على حق"، ومن يخالفه الرأي يحكم عليه مباشرة… "بالإعدام"!

لا أحد معصوم عن الخطأ، إلا نبيل، فهو "لا يخطىء"! يقولها بفخر وإعتزاز بالنفس، "أفكّر مليّاً قبل إتخاذ أي قرار أو القيام بأي عمل، لذلك لا أخطىء. الخطأ ينتج من التسرّع أو قلة الإدراك والإمام بالموضوع المعالج، وهي مشكلة لا أواجهها".
زوجة نبيل عشقت شخصيته في البداية: "شعرت معه بالأمان والسلام والإستقرار، فثقته بنفسه كانت تريحني. أما الآن فتصلّبه وعناده يصعبان علينا الحياة. الكلمة الأخيرة في المنزل تكون له، ولا مجال لمناقشة قراراته. ففي نظره، هو الأفهم والأذكى. ومن يتجرأ على مخالفته، يحكم عليه بـ"الإعدام". لو إجتمع العالم كله محاولاً إقناعه بخطأ إرتكبه، لا يعترف ولا يتأثر البتة.
المشكلة نفسها تعانيها سوزان مع زميلتها جوسلين في العمل. "وصلت إلى مرحلة لم أعد أجادلها فيها، ولا حتى أتكّل على رأيها في أي شيء. جملها كلها تبدأ بـ"لا" لتكمل بنصائح وخبرات شخصية. وإذا حصل أي خطأ في العمل، فالحق دائماً على الآخرين، لأن غرورها لا يسمح لها بالاعتراف بالخطأ. لا تفوّت شيئاً إلا وتنتقده، من أبسط الأمور كالأكل إلى أكبرها كالقرارات المصيرية. واللافت أنها لا تكتفي بالإنتقاد بل تفرض رأيها ونصائحها وتجاربها الشخصية الشبيهة، والتي تؤكد مراراً وتكراراً أنها نجحت في اجتيازها بسبب حنكتها وصوابية تصرفاتها".
المعالجة النفسية لُمى نقاش، توضح أن أي مشكلة في علم النفس تتدرّج من البسيطة إلى المعقدّة والصعبة، لذا التعاطي مع شخص يظنّ أنه لا يُخطىء نسبّي ويختلف من حال إلى أخرى.
"من يظنّ أنه لا يخطىء، هو شخص إما يتصرّف إنطلاقاً من عواطفه، وتالياً فإن المشاعر لا معيار صحة أو خطأ فيها. وإما هو شخص ذو تفكير عقلاني صلب أو ما يسمى "Rigidité psychologique" أو Psychorigidité، بحيث تعكس ثقته بنفسه وبأعماله، صلابة تفكيره، وأسلوبه في "الدفاع عن الذات" (Mécanisme de défense) المتبّع في تعاطيه مع الآخرين.
نقّاش تشرح أن أسباب هذه الشخصية تعود في أساساً إلى التربية المنزلية وتماهي الولد مع شخصية أحد والديه أو أحد أفراد محيطه والتمثّل بهم. كما قد ينتج ذلك، من صدمة عاطفية أو إجتماعية أو أياً تكن طبيعتها، دفعت بالفرد إلى التصلّب في قراراته وإعتبار تصرفاته صحيحة وغير قابلة للمناقشة أو للطعن تجنباً لصدمات أخرى قد يتعرض لها. وتضيف نقاشّ "من المحتمل أن يكون هذا الشخص نرجسي ولا قيمة عنده إلا لمصالحه".
مشكلة الفرد "الذي لا يخطىء"، تبدأ عندما تزداد الوتيرة وتتسّع الرقعة الجغرافية للحالة، فتسبّب له مشكلات في العمل والمنزل ومع الأصدقاء ولأي سبب. هنا، على الشخص، وفق نقّاش، إعادة النظر بتصرفاته والتفكير بمدى صحتها، رغم صعوبة المسألة. ذلك أن الشخص الذي يعتبر أنه لا يُخطىء، وقف نقاش، مقتنع بمواقفه. ومن الصعب جداً إقناعه بمشكلته ومساعدته من خلال المعالَجة النفسية. لذا، تنصح محيطه بتأدية الدور الأساسي في إقناعه بالخلل الذي يعانيه، حتى وإن طالت جلسات الحوار معه.

السابق
حبيب: حضور جلسة الأربعاء يحدده الاتفاق على الإنفاق المالي
التالي
صناديق من العلكة الفاسدة رميت في مكب للنفايات في صور