بشاعة دكتاتورية الأنظمة الطائفية

من الخطأ تجاهل الحقائق، أو القفز من فوقها، وتجاهل الحقائق في الكثير من الحالات يرقى إلى مستوى الجريمة، ومن المعروف أن مخاطر جريمة قد تفوق مخاطر جريمة أخرى بمئات بل بآلاف المرات، فجريمة قتل آلاف الأشخاص الأبرياء هي أكبر آلاف المرات من قتل إنسان بريء واحد، وكذلك الحال بالنسبة لجريمة التعامي أو التغاضي عن حقيقية النظام في سوريا، الذي جر على الدولة السورية برمتها كل هذه الكوارث.
ليس الخطأ في وصول أي إنسان من أبناء أية طائفة دينية ما للسلطة إذا كان أهلاً لها، وحاز عليها برغبة شعبية وأساليب ديموقراطية صحيحة ونزيهة ومشروعة، لكن الخطأ بل الجريمة هي إغتصاب السلطة والهيمنة عليها بقوة السلاح لعقود من الزمن من قبله ومن قبل أبناء طائفته، وتكييف حالة الدولة وتقزييم أوضاعها وتسخير إمكانياتها ومقدراتها لخدمة نظام الحكم وخدمة طائفته، وكل من يحاول التخلص من هذه الهيمنة أو رفضها أو الإعتراض عليها فإنما يعرض نفسه للقتل أو السجن وتهميش وجوده ومصادرة حقه في الحياة الحرة الكريمة تحت ذريعة التآمر على المصالح العليا للدولة، وحقيقة الحال أن المصالح العليا في هذا الإطار لا تعني سوى مصالح الطائفة الحاكمة نفسها وليست مصلحة الدولة السورية بمختلف مكوناتها ونسيجها السياسي والاجتماعي والسكاني.
كما يمكن تقبل وصول أحد أفراد طائفة ما إلى السلطة إذا ما احتكمت طائفته إلى معايير العقل والمنطق، كأن يستمر حكمه لفترة رئاسية واحدة او إثنتين أو ثلاث، كل منها أربع سنوات على سبيل المثال، لكن أن تتحول رؤية الطائفة للتواجد في الحكم والهيمنة عليه إلى حالة مستدامة ومستعصية لتستمر عدة عقود بل يمتد طموحها للسيطرة على الحكم لقرن أو أكثر، من خلال تحويل نظام الحكم الجمهوري إلى نظام وراثي ينتقل من الأباء إلى الأبناء، بعيداً عن كل المعايير والقيم والمباديء الديموقراطية والأخلاقية، عندها يتحول نظام الحكم الطائفي إلى أخطر أشكال الدكتاتوريات وأبشعها وأسوأها.
مأساة النظام السوري هي في باطنية مواقفه السياسية والأمنية والعسكرية، بحكم أن الأنظمة الطائفية الشعوبية جمعاء في سوريا وفي إيران وغيرها من الدول تتعاطى المنهجيات الباطنية التي تجعل نظام الحكم يُظهِر للناس نقيض ما يُضمِرَه في سرائره الداخلية، كما تجعله يعمل بعكس أقواله وتصريحاته، هذه المنهجية أظهرت بل جعلت النظام السوري كاذباً على الأخرين وعلى ذاته ومتناقضاً مع نفسه، لكنه التناقض المنسجم مع توجهاته ومصالحه ومع التوجهات والمصالح غير المشروعة لطائفته.
منذ سنة والجيش السوري يذبح الشعب السوري ويدمر ممتلكاته ويصادر حقوقه بلا هوادة، أما لماذا؟ فلأن هذا الجيش بُني خلال العقود الأربعة الاخيرة على أسس طائفية، جعلت أبناء الطائفة يسيطرون على جميع قيادات ومفاصل الادارة العامة المدنية والأمنية والدبلوماسية الأساسية والثانوية، وقد تعدى التصدي للثورة السورية حدود الجيش إلى إنخراط الطائفة بأسرها في هذا التصدي الدموي والوحشي، وذلك دفاعاً عن مكتسباتها غير المشروعة في الهيمنة على الشأن السوري العام برمته، ودفاعاً عن امتدادها السياسي الخارجي، لإرتباطها بقواسم عقائدية مشتركة مع أنسجة طائفية مشابه تتواجد في لبنان والعراق وإيران ودول أخرى.  

السابق
خطة استهداف الجيش اللبناني!… لماذا؟… ومن المسؤول الحقيقي؟
التالي
فعلا النظام الأسدي بلا ورقة