هذه السنة أتمنى لنا الغضب

لا أعول على النائبة جيلبيرت زوين لإنقاذ مشروع قانون العنف الأسري من التشويه. احتمالات أن تقف ضد المنظومة السياسية – الاجتماعية التي أوصلتها حيث هي ضئيلة جداً. ولا أعول كذلك على نوّاب أطلقت (لا) مواقفهم رصاصة الرحمة على مصداقيتهم. لن أسرد أسماءهم وأطيل الحديث عن إخفاقهم الفاضح في إنصاف النساء. لا أريد أن أذّكر المرأة اللبنانية في عيدها، كيف خذلها أهل السياسة، وكيف رفضوا الاعتراف بأن العنف والإجرام الممارس ضدها داخل بيتها الزوجي هو، في الواقع، "حق" يكتسبه الزوج بقوة ورقة الزواج. حق يكفله رجل القانون، يقرّه رجل السياسة ويحميه رجل الدين بحرص شديد.
في عيدنا هذه السنة، لن أطالب "الدولة" بشيء، ولن استعطي تعاطف مجتمع ما زالت شريحة كبيرة منه لا تعتبر نفسها معنية بمشروع قانون يحمي المرأة من العنف.

في عيدنا هذه السنة، أريد أن أخاطبنا. أن أهنئنا على الصمود بوجه قوى تصرّ على إلغائنا والتحكم بأجسادنا وسلبنا حقوقنا بالقوة الإلهية واسم الشريعة. أريد أن أعايدنا وأتمنى لنا الغضب والمزيد منه ولا شيء سواه.
هذه السنة أتمنى لنا الغضب وأعوّل عليه. أعوّل على انتفاضتنا على المنظومة العفنة التي تدوسنا كل يوم، على تحكّم المحاكم الشرعية بأحوالنا الشخصية، على تعامل نظامنا الاجتماعي والإعلامي مع أجسادنا على أنها سلع للاستعمال اليومي العام، على قانون دولتنا الذي يحمي المغتصب، على كل رجل يعتقد أن أجسادنا مجرد أشياء تسير على الطريق، وأننا خرساوات عاجزات عن إهانته، على برامج كوميدية ترقص على إيقاع التمييز ضدنا، على منظومات إعلامية تعدّ أجسادنا للاستهلاك السريع وتبيحه للعنف.
أتمنى لنا غضباً كافياً لإشعال الساحات بتظاهرات الاحتجاج كل مرّة تهيننا أغنية أو لوحة إعلانية أو نكتة سمجة على الهواء.
أتمنى لنا السخط على قوى الأمن التي نلجأ إليها لحمايتنا فتتحرش بنا وتتساهل مع المتحرش بنا في الأماكن العامة، على رجال سياسة يصمّون آذانهم عن صراخ نساء يعنفن "شرعياً"، يرشون الملح على جراحنا مفاخرين بإعادة جوازات سفر بلاد الأرز لـ"المتحدرين من أصل لبناني حتى الدرجة الرابعة" من جهة الوالد، لكنهم يحرمون أولاد الأم اللبنانية منه حتى ولو كانوا من الدرجة الأولى.
أتمنى لنا السخط على رجال الدين الذين يحرسون التقاليد العفنة في النظام الاجتماعي، والذين يبيحون اغتصابنا ويمنعون أي قانون مدني يمنحنا نديّة مع الرجل، وعلى النظام الاجتماعي نفسه الذي يخرس بكاء المغتصبة حرصاً على شرف عائلتها، ويعيد الانتهاك الذي نال من كيانها إلى قِصَر تنورتها أو ضيق فستانها أو وقت خروجها من البيت.

أتمنى لنا غضباً يكفي لتحريك "طوابير" وإغلاق طرق، حين يسهو أحد النواب عن عيدنا فيستبدله بعيد الأبجدية مثلاً، فـ"سهوة" من هذا النوع هي قلة احترام لنا واستخفاف بإنجازات حركتنا السياسية.
أتمنى لنا حنقاً يشبه ذلك الحنق الذي كان سيوّلده السهو عن عيد مار مارون أو عن المولد النبوي مثلاً.
منذ أيام، صرّح النائب "الساهي" نعمة الله أبي نصر أن العيد سيكون للمرأة والأبجدية معاً، لأن "المرأة هي المعلم الأول". أصاب سعادته، ليس فقط لأن المرأة تلقن أولادها الأبجدية، بل لأنها تربّي فيهم الغضب. لأنها تخبرهم أن النظام السياسي – الاجتماعي للبلد الذي يترعرعون فيه وتقاليده لا تلحظ المرأة وجنسانيتها، ككيان كامل مستقل، بل تسجنه في جسد أم أو زوجة أو أخت بحاجة مستمرة لقوامة ذكر، وبالتالي أي اعتداء على هذا "الكيان الهش" هو اعتداء على شرف هذا الذكر وانتقاص من "رجولته". تخبرهم أن حراسة هذا الشرف يستوجب سطوة على جسد المرأة يمارسها الراعي داخل البيت ويثبتّها رجال السياسة بإشراف رجال الدين. تخبرهم أن النظام الذي يعيشون في ظله يفرض عنفاً معنوياً، جسدياً وجنسياً على النساء، وإن غضبن، يقال إنهن "مسترجلات" ويتهمن بأنهن يملكن أجندة غربية شريرة لتدمير الأسرة اللبنانية المتماسكة.

هي المعلم الأول لأنها تربّي ولدها الذكر على أن امتلاكه قضيباً لا يكسبه سلطة، وإن اكتسبها فهي ليست معصومة عن المساءلة، وتربي ابنتها على أنها لا تحتاج إلى إذن لتنوجد ولا لرعاية لتحيا. توصيها بامتلاك جسدها والتحكم به، وألا تسمح باستمرار الإجرام بحقه باسم "المصلحة العامة"، لأن الأخيرة تتوقف عند عتبة جسدها وسلامتها وكرامتها. تربيها على ألا تخاف من فضح العنف الممارس عليها، أن تنظر مباشرة في عينيّ "المجتمع" وتكشف عوراته، لأن الصمت عنها تطبيع مع إجرام النظام. تنذرها أن القوانين والتقاليد وكل أركان النظام الذي تعيش في ظله ستجعل من حياتها حرباً مفتوحة، وعليها أن تصمد لأنه مقدر لها أن تكافح. وتقبل جبينها ليلة ميلادها من كل سنة متمنيّة لها المزيد من الغضب.

السابق
تدشين النصب التذكارية لساعة LIU التراثية في صور
التالي
الحكومة اوكلت ميقاتي اعداد صياغة مشروع قانون لقطع حساب بين 2006 و 2010