السنيورة ملياردير وبلطجي!

ليس الملياردير فؤاد السنيورة، ولا الذين تحلقوا حوله في المؤتمر الصحافي يوم الجمعة الفائت في المجلس النيابي، ولا الذين ساندوه في تعطيل الجلسة النيابية الإثنين، هم الجهة الصالحة التي يأخذ منها اللبنانيون الحقيقة بشأن المالية العامة في لبنان، بل ربما يعرفون منها الحقيقة بشأن الفتنة التي دعوا إليها حين خيّروا الناس والنواب بين نسيان المحاسبة على الـ11 مليار دولار وبين هز الاستقرار والمسّ بالسلم الأهلي، أيّهما أهون الشرّين؟

هؤلاء جميعاً مشكوك في صدقيّتهم، وأولهم السنيورة نفسه، الذي عليه، وإنصافاً للحقيقة، ألا يحصر حديثه بمليارات الدولارات التي أُهدرت بين العامين 2006 و2009، (علماً أنها تزيد كثيراً عن 11 ملياراً، وبالأمس كشف وزير المالية محمد الصفدي عن 5 مليارات دولار أخرى صرفت في الفترة ذاتها من دون أي مسوّغ قانوني)، بل يجب أن يعرف الناس كل الحقائق المتعلقة بالمال العام منذ دخول السنيورة إلى "جنة" وزارة المالية في أواخر العام 1992، والتي "دامَ ظله" فيها لنحو عقدين من الزمن، وحتى يوم لم يكن هو وزيراً بقيت ملائكته حاضرة، ويبدو أنّ خيوطه وامتداداته فيها لمّا تزل تفعل فعلها إلى اليوم!

من الغريب أن يكون هناك لبناني واحد لا يزال يثق بكلام السنيورة و"فذلكاته"، أليس هو الذي أفقرَهم وحمّلهم وحمّل أولادهم وأولاد أولادهم أوزار وأعباء هذه الأرقام الفلكية من الدين العام؟ في حين أنه هو الموظف طيلة حياته العملية، دخل إلى نادي أصحاب المليارات (بالدولار) وصار اسمه متداولاً في اللوائح الإحصائية لأغنى أغنياء العالم!!!

ولو لم يكن هذا الـ"لبنان" منكوباً بداء الطائفية المزمن ومرض المذهبية المستعصي، لما وُجدَ مَن لا يرفّ له جفن وهو يهدر المليارات ويُراكم الديون ويُفلس الدولة ويُفقر الناس، وفي الوقت نفسه تتكدّس الثروات في حساباته الخاصة!
وليس من باب الدفاع عن الحكومة الحالية، التي يكفيها ما فيها من عيوب وتشوّهات خلقية، إنما على الأقل، يشفع لها أنّ فيها وزراء وممثلين لقوى سياسية ملتصقة بقضايا الناس وهمومهم ومشاكلهم، أصرّوا على عدم تجاوز القانون، وأعدّوا مشروع قانون أحيل إلى المجلس النيابي وفق الأصول، بهدف قوننة الزيادة في الإنفاق خلال العام 2011.
وحسناً فعل أعضاء لجنة المال والموازنة النيابية، الموالون والمعارضون و"النصّ نصّ"، حين أصرّوا على ممارسة دورهم الرقابي والتشريعي على أكمل وجه، فناقشوا هذا المشروع بكلّ تفاصيله، حتى قيل إنهم "فصفصوه" مادة مادة وليرة ليرة، (على فكرة المشروع بالليرة وليس بالدولار، يعني أنه مشروع بلدي)!

وعلى قاعدة كما تراني يا جميل أراك، فإن على السنيورة، إذا كان جميلاً بالفعل لا بالشكل، أن يتواضع قليلاً، ويحترم مجلس النواب، ويلتزم بالدستور وبقوانين المحاسبة العمومية، فيحذو حذو هذه الحكومة ويرسل إلى المجلس النيابي، وإلى الهيئات الرقابية، ملفات مكتملة وموثقة عن كيفية ووجهة صرف الـ11 مليار دولار، لا أن يتصرّف وفريقه على طريقة "البلطجية"، ويمارس الابتزاز السياسي، (هل تذكرون الاتهام السياسي؟) لكي يتهرّب من الرقابة وينفد بريشه وبحسابه الخاص من الحساب العام.
أما عن الحجّة القائلة بأنّ المجلس النيابي كان مقفلاً، وبالتالي لم يتسنّ إقرار الموازنات العامة منذ العام 2006، فهي حجّة ساقطة لأكثر من سبب، أوّلها أنّ المجلس النيابي اليوم ليس مقفلاً، والحكومة الحالية هي حكومة شرعيّة ميثاقية على عكس حكومته اللاشرعيّة واللاميثاقيّة.
ولنفترض أنّ المجلس النيابي لم يكن مقفلاً، وأنّ حكومة السنيورة كانت كاملة الأوصاف، فهل كان باستطاعته ألا يتقدّم من المجلس بالحسابات التي يطالب اليوم بإقرارها من دون رقابة ولا مَن يراقبون؟
ثمّ أنّ السنيورة ذاته يُعلي الصوت اليوم ويقول إنّ الحسابات والأرقام المتعلقة بالـ11 مليار دولار موجودة في وزارة المالية، ولو كان هذا الكلام صحيحاً لما كانت "ملاكه" في الوزارة ريّا الحسن أتت في العام 2010 إلى المجلس النيابي بورقتي (A4)، فيهما أخطاء في الجمع، وطالبت، كما يطالب هو اليوم، بأن يُكتفى بهما ويتمّ على أساسهما قطع حسابات السنوات الأربع (2006 و 2007 و 2008 و2009)، ومن ضمنها الـ11 مليار دولار.

ولكن إذا سلمنا جدلاً مع السنيورة بأنّ الحسابات موجودة في وزارة المالية، فلا يكون المطلوب إذن سوى تقديم هذه الحسابات إلى الجهات الرقابية المعنية حتى تدقّق فيها وتجيزها، تماماً كما فعلت لجنة المال والموازنة مع مشروع قانون الـ8900 مليار ليرة، الذي سيعود ويخضع للرقابة اللاحقة عندما يحين أوان تقديم قطع الحساب.
وإذا كان لزاماً على السنيورة أن يخضع للمساءلة النيابية، وربما القضائية لاحقاً، فإنّ ذلك لا يعني أنه يحقّ للأكثرية أن تستمرّ في سياسة التسويات و"التطنيش" و"النأي بالنفس"، بل عليها أن تحزم أمرها، وأن تضع حداً لهذا الدلع الذي يُظهرها أكثرية دفترية (على غرار دفاتر السنيورة المشكوك فيها)، وذلك لكي تقوم بواجبها وتتحمّل مسؤولياتها وتواجه في آن معاً الشرّين اللذين يخيّرها بينهما فريق 14 آذار.
وبكلام أكثر وضوحاً، فإن على الأكثرية أن تدرأ الفتنة وتمنع هز الاستقرار والمسّ بالسلم الأهلي، وفي الوقت نفسه عليها أن تحفظ المال العام وتصرّ على محاسبة كلّ مَن أهدر أو أساء أو… حتى لو كان من بين صفوفها.
وأخيراً، إذا كانت الأكثرية الحالية نتجت عن زواج بين الفريق المعارض سابقاً وبين الوسطية، فأنّ المثل الشعبي يقول إنّ مَن يخجل من زوجته لا ينجب أولاداً…

السابق
الراي: واشنطن طالبت بيروت بحماية أفراد الجيش السوري الحر
التالي
السفير: الأسد يتمسّك بالإصلاح ومكافحة الإرهاب … وأنان في دمشق غداً