البناء: موقف أميركا السياسي الجديد… انعطافة أم خدعة؟

على الرغم من الفضيحة التي كشف عنها وزير المال محمد الصفدي والتي تؤكد وجود مخالفات إضافية في نفقات حكومتي السنيورة من العام 2006 وحتى 2009، بحيث أضيفت خمسة مليارات دولار جرى إنفاقها في تلك الفترة، إلى جانب الـ11 مليار دولار ما يرفع المبلغ إلى 16 ملياراً، فإن فريق "14 آذار" عبر كتلته النيابية ما زال يصر على تهريب هذه المخالفات من خلال السعي لإجراء صفقة بين الـ16 مليار دولار ومشروع القانون الذي تقدمت به الحكومة لتشريع صرف الـ8900 مليار ليرة على القاعدة الإثنتي عشرية.
وفيما أصرت كتلة "المستقبل" أمس على الربط بين إنفاق الحكومة الحالية وما أنفقته حكومتا فؤاد السنيورة تحت حجج ومبررات واهية، توقعت مصادر متابعة أن يتظهر الكثير من المخالفات وهدر المال العام في الأيام القليلة المقبلة، بعد أن رفع الوزير الصفدي إلى رئاسة مجلس الوزراء مشروع قانون يتعلق بتسوية النفقات خلال حكومات السنيورة وسعد الحريري، خصوصاً عندما يصار إلى التدقيق في تفاصيل عمليات الإنفاق.
بوادر هزيمة الحلف المعادي لسورية
أما على صعيد الوضع في سورية، فقد بدأت علامات الهزيمة تظهر تدريجياً على الحلف الغربي ـ الأميركي ـ الخليجي بعد أن استطاعت سورية بقيادتها وشعبها الوقوف في وجه حملة الاستهداف التي تعرضت لها منذ حوالى السنة من قبل واشنطن وحلفائها العرب والغرب.
وفي ضوء ما حققه الجيش السوري والقوى الأمنية السورية من إنجازات مهمة في القضاء على المجموعات الإرهابية المسلحة والسيطرة على أوكارها لا سيما في بابا عمرو ومناطق أخرى، وبعد أن فشلت كل المحاولات في مجلس الأمن في إقرار تفويض دولي بتغطية عدوان خارجي على سورية، ها هي اليوم واشنطن تكتفي بالتحدث عن الدبلوماسية والسياسة.
راهنوا على الكثير من الخطط والمؤامرات إن في الداخل السوري أو في الخارج، ففشلوا وفشلت أضاليلهم التي بثوها ويبثونها في الفضائيات العربية الكاذبة.
وإذا كانت الإدارة الأميركية قد اعترفت أمس بعجزها عن استهداف سورية عسكرياً وتحدثت بلغة الأمر الواقع عن الدبلوماسية والسياسة، فإن موسكو بعد انتخابات بوتين رئيساً لها أكدت على ثبات موقفها تجاه سورية وشعبها، وبدت القوة الدولية الأساسية التي تملك اللعبة بالتنسيق والتعاون مع بكين ودول أخرى.
وفي مقابل ذلك، يتواصل تقهقر المجموعات المسلحة في أكثر من منطقة كانت تسللت إليها من الدول المجاورة، وقد أكدت مصادر عليمة في هذا السياق أن الخطوات الأمنية مستمرة بنجاح للانتهاء من بعض البؤر الأمنية ـ بعد تطهير حمص ـ وأوضحت أن هناك اطمئناناً لدى القيادة السورية بأن هذه العملية لن تحتاج إلى وقت كما حصل في حمص، بل إن عملية التطهير قد لا تحتاج سوى إلى بضعة أيام وربما لا تتعدى الأسبوع أو العشرة أيام.
الأسد: شعبنا أفشل مخططات الخارج
وكان الرئيس الأسد أكد أمس خلال استقباله وفد لجنة الصداقة الأوكرانية السورية في البرلمان الأوكراني أن "شعبنا أفشل مخططات الخارج سابقاً وحمى وطنه مجدداً بوعيه وإرادته".
وشدد على أن "ما تتعرض له سورية هو تكرار لمحاولات سابقة تستهدف إضعاف دورها وضرب استقرارها". وأكد أن قوة أي دولة هي في الدعم الشعبي الذي تتمتع به، وأن الشعب السوري الذي أفشل المخططات الخارجية في السابق بإرادته ووعيه أثبت قدرته مجدداً على حماية وطنه وبناء سورية المتجددة من خلال تصميمه على متابعة الإصلاحات بالتوازي مع مواجهة الإرهاب المدعوم من الخارج".
روسيا: لا تغيير في مواقفنا
وفي المواقف أيضاً، ردت روسيا بطريقة غير مباشرة على بعض المواقف الغربية التي تراهن على حصول تغيير في الموقف الروسي من سورية بعد الانتخابات الرئاسية بالتأكيد أنه على الدول الغربية أن لا تتوقع تغييراً في الموقف الروسي بشأن سورية.
كذلك أكدت الخارجية الروسية في بيان أمس أن "موسكو متأكدة من صحة موقفها بشأن المسألة السورية".
وبدوره، أكد مفوض حقوق الإنسان في الخارجية الروسية قسطنطين دولغوف معارضة بلاده لقراءة الأحداث السورية بطريقة منحازة لأحد طرفي النزاع، وتحميل الحكومة السورية كل المسؤولية عن العنف، مع صرف الأنظار عن الأعمال غير القانونية لأنصار المعارضة المسلحة.
وأشار دولغوف في تصريحات لوكالة "انترفاكس" الروسية إلى أن انتهاكات حقوق الإنسان التي تقوم بها المعارضة المسلحة يتحدث عنها التقرير الأخير للجنة تقصي الحقائق المستقلة التي أسسها مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.

البيت الأبيض: نركز على الحلول السياسية والدبلوماسية
وفي إشارة إلى ما تعكسه المواقف الأميركية والغربية لانكسار المؤامرة الكونية ضد سورية وبداية تأكيد انتصار القيادة السورية بفعل صمودها وثبات مواقفها ووضوح رؤيتها وتماسك جيشها، برز أمس موقف لافت صدر عن البيت الأبيض، وفيه رد غير مباشر على ما كان دعا إليه عضو الكونغرس الأميركي جون ماكين للقيام بضربات جوية ضد سورية لمساعدة ما يسمى "المعارضة السورية"، وأكد البيت الأبيض في بيان له أن "الولايات المتحدة تركز حالياً على المبادرات السياسية والدبلوماسية بشأن الأزمة في سورية لا على التدخل العسكري".
وأشار إلى أن الولايات المتحدة تعتبر أن أفضل سبيل بشأن سورية هو عزل النظام وقطع مصادر الدخل الرئيسية ودفع المعارضة للتوحّد.

ومساء أمس، قال الرئيس الأميركي باراك أوباما إن القيام بعمل عسكري أحادي ضد سورية مسألة غير مطروحة. وأشار إلى أن الوضع في سورية يختلف عن ليبيا، لذلك علينا دعم المعارضة السورية، زاعماً أن الرئيس الأسد "سيسقط كما سقط كثيرون"!
ويبدو أن الموقف الأميركي الرسمي المستجد يتجاوز إطار التنافس الانتخابي ليحدد الموقف الأميركي ولو بشكل دبلوماسي من الأزمة القائمة في سورية في محاولة لتزيين الصورة الأميركية المرتسمة حول المساعدة المادية والعسكرية والمخابراتية واللوجستية للمسلحين، إما مباشرة أو عبر دول عربية وإقليمية تهرّب السلاح والمسلحين إلى داخل الأراضي السورية للقيام بعمليات الاغتيال وتفجير أنابيب النفط وتدمير المنشآت العامة إضافة إلى استثمار أي عمل احتجاجي سلبي ضد النظام في إطار تجديد الدعوة إلى تغيير النظام تحت شعارات الحرية والديمقراطية المسوّقة عربياً عبر دول لم تعرف الديمقراطية يوماً ولا هي في وارد معرفتها في المدى المنظور.
ويعتقد مصدر مطلع أن البيان الأميركي الأخير لا يعدو كونه ذراً للرماد في العيون بما يجعله أقرب إلى الخديعة منه إلى إعادة النظر في الموقف الاستراتيجي مما يجري في سورية.
الخارجية البريطانية
في سياق متصل، استبعدت الخارجية البريطانية إمكانية التدخل العسكري في سورية. وقالت إن وزير الخارجية وليام هيغ استبعد تسليح المعارضة أو التدخل عسكرياً، مشيرة إلى أن السفير السوري في لندن سامي الخيمي أبلغها أن مهمته في لندن قد انتهت.

دمشق تندد بالعقوبات الإعلامية
في هذا السياق، لا يزال قرار الإدارة الأميركية فرض عقوبات على الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون في سورية يثير المزيد من المواقف المستنكرة والمنددة كونه يتعارض مع أبسط الحريات الإعلامية التي تدعي واشنطن الالتزام بها، بل أيضاً يتنافى مع المفاهيم والقوانين الدولية. وقد وصف وزير الإعلام السوري عدنان محمود هذا القرار بأنه "إجراء عدائي ضد مؤسسة إعلامية وطنية تعبر عن صوت الشعب السوري".
ومن جهتها، قالت وكالة "سانا" إن العقوبات الأميركية تكشف زيف الحديث الغربي الأميركي عن حرية الإعلام وإبداء الرأي وتثبت أن مبادئ الحرية الإعلامية والديمقراطية التي تتغنى بها هذه القوى ليست إلا شعارات تستخدمها لخدمة مصالحها وأجنداتها السياسية فقط.

عبد الكريم علي وضبط الحدود
في هذا الوقت، نقل سفير سورية في لبنان علي عبد الكريم عن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي حرصه على ضرورة متابعة الجيش والقوى الأمنية لواجبهما في ضبط الحدود ومنع تسريب المسلحين والسلاح، والتعاون مع الأجهزة السورية المعنية في الطرف المقابل.
وعبّر السفير علي عن اطمئنانه للخطوات الواثقة التي تقودها سورية، والسياسة المتوازنة التي يقودها الرئيس السوري بشار الأسد للخروج من الأزمة الراهنة بقوة وحكمة وبانعكاسات إيجابية على مستوى سورية كلها.

عودة الحياة إلى بابا عمرو
وفي الشأن الميداني، أفادت وكالة "سانا" أن أهالي حي بابا عمرو في مدينة حمص واصلوا العودة إلى منازلهم التي هجّرتهم منها المجموعات الإرهابية المسلحة بعد إعادة الأمن والاستقرار إليه من الجهات المختصة التي لاحقت الإرهابيين فيه، في حين استمرت الجهات المعنية بإصلاح ما أفسده الإرهابيون وإزالة آثار الدمار التي ألحقوها بالممتلكات العامة والخاصة فيه.

… وكشف معمل أسلحة
وكشف التلفزيون السوري مساء أمس أن الجهات المختصة ضبطت في بابا عمرو معملاً للأسلحة كانت المجموعات الإرهابية تستخدمه لإعداد المتفجرات والعبوات الناسفة والصواريخ اليدوية التي تطلق على الأحياء السكنية دون تحديد الهدف.
كما عثرت بداخله على طائرة استطلاع شبيهة بالتي يستخدمها كيان الاحتلال "الإسرائيلي" وكاميرات مراقبة وقذائف مضادة للدروع وقواعد لإطلاق الصواريخ وصواريخ متنوعة.

كونيللي تدافع عن الإرهابيين!
ولوحظ أمس أن السفيرة الأميركية في بيروت مورا كونيللي قد أدلت بتصريح بعد زيارة عاجلة الى وزير الداخلية مروان شربل، حرصت فيه على تكرار المطالبة بحماية ما يسمّى بـ"جيش سورية الحر" الذي فرّ وعناصره المسلحة من منطقة حمص ومحيطها إلى شمال البقاع، وألقى عدد منهم سلاحه على الطرق بينما احتفظ بعضهم بسلاحه مجتازاً الحدود السورية.
وشددت السفيرة الأميركية على حماية المسلحين الإرهابيين مما يثبت مرة أخرى أن هذا الإرهاب وهذا السلاح، هما صناعة أميركية بامتياز.

العربي يلتقي أنان غداً
إلى ذلك، ذكرت مصادر إعلامية أن الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي سيلتقي المبعوث المشترك للأمم المتحدة والجامعة الخاص بسورية كوفي أنان يوم غد في القاهرة للتشاور معه حول خطوات التحرك التي سيقوم بها المبعوث ونائبه الفلسطيني ناصر القدوة حيال الأزمة السورية وذلك في إطار المهمة التي كلفا بها من قبل الأمم المتحدة والجامعة العربية.
وقد أعربت الممثلة العليا للأمن والسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كاثرين آشتون عن دعم الاتحاد الكامل لمهمة أنان في سورية.

أردوغان يعود للتصعيد!
أما في المواقف الغربية والعربية المحرضة على الفتنة والإرهاب، فقد دعا رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان إلى ـ ما وصفه ـ "فتح ممرات إنسانية فوراً في سورية"!
من جهته، رأى مستشار الرئيس التركي أرشد هرموزلو أن ما يحدث في سورية "جريمة إنسانية" ترتكب كل يوم. وادعى "أن السبيل الوحيد لإنهاء الأزمة يتمثل في اعتماد النموذج اليمني أي تنحّي الرئيس الأسد".
وفي مدريد أعلنت إسبانيا تعليق أنشطتها الدبلوماسية في سورية.
وفي عمان قال وزير الدولة لشؤون الإعلام الأردني راكان المجالي: "إن الأزمة السورية أزمة معقدة وحساسة ودقيقة، والأردن له مصالح تجارية وتجارة الترانزيت عبر سورية"، مضيفاً أن "الأردن لا يريد الإضرار بعلاقاته مع سورية، إلا أنه في الوقت نفسه فإنه من حق الشعب السوري المطالبة بحقوقه المشروعة في التغيير والإصلاح السياسي".

حكام البحرين يقفزون فوق جرائمهم
وفي المنامة، وفي موقف يعبر عن صلافة "مع بعض الطرافة" وصف وزير خارجية البحرين خالد بن أحمد آل خليفة ما يحصل في سورية بأنه "مذبحة حقيقية"، معلناً تبنيه لما قاله وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل، لكن يبدو أن الوزير البحريني لم يسمع بما ترتكبه عائلته الحاكمة من مذابح وقتل ضد أبناء الشعب البحريني وحركته السلمية.

دعم من فنزويلا لسورية
إلى ذلك، كشف النائب الفنزويلي عادل الزبيار عن استعداد بلاده لإرسال شحنة ثالثة من الديزل إلى سورية وقال: "قرار الحكومة هو تقديم كل مساندتنا إلى سورية".
في مجال آخر، أفيد أن السفير الفرنسي في دمشق ايريك شوفالييه انتقل أمس إلى بيروت من دون معرفة الأسباب والخلفيات.

إصرار "المعارضة" على صفقة الـ11 ملياراً
أما على الصعيد الداخلي، فإن فضيحة الـ11 مليار دولار التي صرفت في عهد حكومتي السنيورة، وأضيف إليها خمسة مليارات دولار جديدة كشف عنها الوزير الصفدي، لا تزال تشغل الوسطين النيابي والسياسي في ظل إصرار فريق المعارضة المتمثل بكتلة "المستقبل" وحلفائه على تهريب المخالفات التي ارتكبت بين 2006 و2009 استكمالاً لعملية تعطيل نصاب الجلسة النيابية العامة أول من أمس.
وشهدت الساعات الماضية نوعاً من التقاط الأنفاس، وبرز كلام العماد ميشال عون بعد اجتماع تكتله أمس، مشدداً مرة أخرى على المحاسبة ورفض المساومة.
وأمس أيضاً نقل الزوار عن الرئيس نبيه بري أن مبادرته كانت فرصة للطرف الآخر ولم تعد موجودة، وتأكيده أيضاً على إرسال مشروع قانون بـ11 مليار دولار إلى المجلس ليدرسه كمشروع الـ8900 مليار ليرة.
أما بالنسبة إلى الجلسة المقبلة، فيتوقع أن تخلو من هذا الموضوع وأن تناقش مشاريع واقتراحات قوانين أخرى.
وكان العماد عون أكد أمس أن غياب وزراء "جبهة النضال الوطني" عن جلسة المجلس النيابي، "موقف سلبي ولا شرح له، إلا نوايا عدم انتساب للأكثرية"، معرباً عن اعتقاده أن "جنبلاط في الأساس لم يكن في الأكثرية، ولكن مصلحته آنية".
وحول قضية الـ11 مليار دولار قال "ليتفضلوا وليرسلوا قانون قطع الحساب ونسخة عنه الى ديوان المحاسبة". وقال: "لدينا دستور وقواعد ومحاسبة ولن نختصر المؤسسات".
ومن جهته، قال رئيس لجنة المال والموازنة النائب ابراهيم كنعان: "إن المطلوب بالنسبة لمبلغ الـ11 مليار دولار قطع حساب سليم ومدقق". وقال: "إن الكلام عن تسوية الإنفاق لا يجوز لأن المطلوب هو الحسابات وليس إيجازات صرف"، مشيراً إلى أن "كل ما يريدونه هو تعطيل مجلس النواب والعمل على الكسب السياسي".

تبريرات "كتلة المستقبل"!
أما كتلة "المستقبل" فحاولت رفع المسؤولية عن السنيورة ومن يمثله من خلال الادعاء "أن كل الأفرقاء السياسيين كانوا ممثلين في تلك الحكومات ومشاركين بإنفاق تلك الأموال".
ورأت أن "إصرار البعض على الفصل بين تخطي الحكومة الحالية للقاعدة الإثنتي عشرية وتخطي الحكومات السابقة لهذه القاعدة تمايز مقصود لأهداف سياسية لا تسهم إلا بزيادة الخلاف في البلاد وفي عدم عودة الانتظام إلى مالية الدولة".

السابق
أربعة اسماء لخلافة المفتي
التالي
تجمّع سياسي شيعي