جنبلاط يرفض دفع فدية مقابل نحّاس

لا يحتاج مشهد ساحة النجمة إلى تحليل. فالمعادلة واضحة، ومن لم يدركها من أركان الأكثرية يريد أن يتجاهل التداعيات التي تركتها الأزمة، باستقالة وزير العمل شربل نحّاس وعدم قدرة حلفاء عون على التعويض عليه. فظهر جنبلاط وحيداً في رفضه «دفع فدية نحّاس». كيف تمّ الوصول إلى هذه النتيجة؟

أدرك كثيرون قبل أيّام قليلة أنّ كلّ المساعي التي بذلها العماد ميشال عون ومعه قياديّون، ونوّاب حزب الله وقياديّوه من أجل تجميع الأكثرية التي تكوّنت في تسمية الرئيس نجيب ميقاتي لتشكيل الحكومة في 25 كانون الثاني من العام الماضي، لا يمكن تكوينها اليوم من أجل خوض المعركة التي خاضها العماد ميشال عون ومعه فريقه من لجنة المال والموازنة النيابية ووزراؤه، وقاد معه الأكثرية كلّها في مواجهة حكومتَي الرئيسين سعد الحريري وفؤاد السنيورة اللتين حكَمتا من العام 2006 إلى العام 2010 على قاعدة طلبها قوننة المليارات الإحدى عشرة المدولرة التي أنفِقت من خارج الموازنة العامّة التي بقيت وثائقها مجمّدة طيلة السنوات الخمس الماضية إمّا في وزارة المال أو في أدراج مجلس النوّاب.

في المقابل نجحت الأقلّية النيابية في استدراج المجلس النيابي الى مواجهة ساخنة بين اهل البيت الواحد على ارض المجلس النيابي، فغاب نوّابها تماماً عن ساحة النجمة مرتاحين لما سيكون عليه الوضع بشأن مصير الجلسة، وخصوصاً أنّ هذه الأقلّية قد جمعت أوراقها لتشير بشكل واضح وصريح بأنّها ليست وحدها في المواجهة، فهي لم تُقدِم بشكلها الحاليّ على صرف هذه المليارات التي يبحثون عنها، فقد كانت الحكومات الثلاث التي يسعون الى محاسبتها مختلطة. ففي الحكومتين الأولى والثانية للرئيس السنيورة كان وزراء أمل وحزب الله والتقدّمي الإشتراكي وممثلو الرئيس اميل لحّود ايضا في متنها. وفي الحكومة الثالثة التي رئسَها سعد الحريري كان الوزراء أنفسهم ومعهم وزراء التيّار الوطني الحر في الحقائب التي شهدت إنفاقا كبيراً، ومنها وزارتا الاتّصالات والطاقة.

وتأسيساً على هذا المنطق الذي جعل المواجهة الأكثر سخونة محصورة على ما يبدو بين التيّار الوطني الحر وتيّار المستقبل، فخسر الأوّل رهانه على الأكثرية الجديدة وربح الثاني بالنقاط بعدما نجح في استثمار مخاوف الرئيس نبيه برّي من "مواجهة مذهبية" في مجلس النوّاب إذا تحوّلت المواجهة بين مليارات 8 و14 آذار، وكأنّها مواجهة بين الأكثرية النيابية والطائفة السنّية فتحدّث يومها عن تأجيل البحث في ملفّاتها لحماية السلم الأهلي في البلاد، وهو أمر لم يلاقِه أحد من حلفائه فيه ولا سيّما العماد ميشال عون الذي واصل هجومه وفتح في موازاة ذلك دفتراً للحسابات مع حليف حليفه متسائلاً عن الأثمان التي على الرئيس برّي تسديديها له بعدما ماشاه في ملف النقل الى النهاية المأساوية لوزير العمل شربل نحّاس وتداعياتها على التيّار الوطني الحر.

أضف الى ذلك، يقول العارفون إنّ عون الذي ما زال يشكّل رأس الحربة في المواجهة مع تيّار المستقبل والرئيسين السنيورة والحريري، لم يجد من يقف الى جانبه الى الحدود التي يريدها. وهو الى جانب استيائه البالغ من موقف النائب وليد جنبلاط لم يوفّر الكثير من حلفائه الآخرين الذين يتحدّثون عن إمكانيّة التوصّل الى صفقة ما أو تسوية تساوي المليارات كلّها فتضعها في سلّة واحدة. فكان هجوم صهره الوزير جبران باسيل الأعنف على جنبلاط قبل الجلسة، وراح آخرون يوجّهون السهام باتّجاه حلفاء آخرين، وخصوصاً عندما تبلّغوا أمس أنّ نائبين آخرين من صفوفهما ليسا في لبنان، وهما عضو التكتّل فريد الخازن ورئيس الحزب القومي السوري أسعد حردان.

وفي خلفيّات مواقف التيّار الوطني الحر أسباب أخرى تتّصل بتجاوز رئيس المجلس ومعه الأكثرية الحكومية والنيابية مشروعه الخاص بالنقل الذي كان يعتقد أنّ مجلس النوّاب سيناقشه بعد توقيع مرسوم النقل، فبات على الرفّ عندما طار النصاب في تلك الجلسة التشريعية، وبعدما سلك المرسوم الذي وقّعه وزير العمل بالوكالة نقولا فتوش طريقه الى المؤسّسات الدستورية لينهي الجدل الذي كان قائماً حول قوننته، فإذا به مرسوماً كامل الأوصاف قابلاً للتطبيق، فانتفى الحديث عن قانونيته ودستوريته بمجرّد أن غاب نحّاس من الحكومة.

وعلى المقلب الآخر يبدو النائب وليد جنبلاط ممسكاً بالعصا من وسطها في وجه طرفي الصراع، فأعلن صراحة أنّ نوابه الذين لديهم مفتاح النصاب القانوني لن يحضروا إلى ساحة النجمة لئلّا يكونوا

شهوداً على سياسة الكيد التي يقودها عون بغضّ طرف من شركائه في الأكثرية وحجّته قويّة، فهو يشارك الرئيس برّي مخاوفه على السلم الأهلي من هجمة عون وتيّاره على الأقلّية وتيّار المستقبل ممثّلا بالرئيسين السنيورة والحريري، متسلّحا بأنّ هذه القرارات الحكومية التي يحاسبون من خلالها حكومات ما بعد الـ 2006 كانت حكومات مختلطة ومشتركة ما بين أقلّية وأكثرية اليوم، وأنّ الإنفاق واحد في الشكل والمضمون والأهداف ما بين هذه الحكومة والحكومات السابقة على حدّ سواء.

ولا يغيب عن بال العارفين بالكثير ممّا يدور من مناقشات في الخفايا بعيداً من الإعلام ومحاضر الجلسات أنّ جنبلاط وجّه بموقفه هذا رسائل باتّجاه الأقلّية أيضا وتيّار المستقبل تحديداً عندما قال في كواليس الاتّصالات الجارية إنّ قراره هذا الداعي الى تسوية ما للمليارات جميعها لا يعني أنّه لا يعلم بوجود أموال تبخّرت من وزارة المال أو من الهيئة العليا للإغاثة التي كان يديرها تيّار المستقبل، وهي لا يمكن ان تكون على لائحة المصاريف المشابهة لما تطلبه حكومة ميقاتي اليوم. لكنّه يودّ أن يقول لهم بشكل من الأشكال إنّني على استعدادا للتضحية ببعض من الحقائق مقابل تفهّم مواقفه الأخيرة التي اضطرّ فيها ليكون في صفوف 8 آذار لئلّا يسيء الى حكومة ميقاتي في الوقت عينه، ما يضفي على تحرّكه مزيداً من الأمان الذي يحظى به من الجهات كافّة من الأكثرية والأقلّية على حدّ سواء.

لكنّ ما لم يقله جنبلاط قالته مصادر مقرّبة منه. فهي لم تخفِ أنّ في إصرارها على تطيير النصاب اليوم أكثر من هدف. وواحد منها أنّ لديه حسابا مفتوحاً مع التيّار الوطني الحر وحكومة الرئيس ميقاتي في آن. ومفادها أنّه لا يمكن ان يكون "ألعوبة" في يد أحد من أجل الانتقام من أيّ طرف كان شخصاً أم تيّاراً. وأنّه لا يمكن أن يتعهّد بأيّ ثمن يمكن ان يستحقّ عليه، وقد يصبّ إيجابا في خانة العماد عون وتكتّله. وبالتالي لن يشارك بأيّ شكل من الأشكال بدفع أثمان ترتّبت على الحكومة الحاليّة، ثمناً لما قدّمه عون على "مذبح "حمايتها"، ومنها تقديمه "رأس شربل نحّاس" على طبق من فّضة الى كلّ المعنيّين ببقاء هذه الحكومة على ما هي عليه.

السابق
التظاهرة السلفية ..حالة سياسية شعبية جديدة تخترق العاصمة وتهدد لبنان
التالي
الأسير.. حرّ طليق