التظاهرة السلفية ..حالة سياسية شعبية جديدة تخترق العاصمة وتهدد لبنان

في العام 2005 توزع وسط بيروت الى ساحتين: ساحة 8 آذار وساحة 14 آذار، في العام 2012 يعود وسط بيروت مرة جديدة ساحتين، ولكن بوجوه جديدة وتحت عناوين ولافتات جديدة: ساحة السلفيين وساحة البعثيين، الثابت بين 2005 واليوم أن سورية هي محور وسبب الانقسام اللبناني: قبل سبع سنوات كان الانقسام بين من يتظاهر "شكرا لسورية" ومن يتظاهر وداعا لسورية، واليوم وبعدما أصبحت سورية نظاما ومعارضة، الانقسام حاصل بين من يتظاهر تأييدا للنظام ومن يتظاهر تأييد للمعارضة، أما المتغير بين 2005 واليوم أن القوى الأساسية الفاعلة انكفأت عن المشهد وأخلت "الساحة" لقوى أخرى ناشئة حديثا أو متواجدة من قبل، ولتحرك شعبي محدود تم سحب العصب السياسي الجماهيري منه نتيجة انكفاء تيار المستقبل ونأي الطرف السني الأقوى عن التظاهرة السلفية وانكفاء حزب الله وأمل والنأي بالطائفة الشيعية عن التظاهرة البعثية.

ورغم أن ما حدث في ساحة الشهداء كان محدودا في حجمه ومنضبطا في حركته وخطابه واختلطت فيه علامات الحدة والتطرف والانفعال مع مظاهر الاستعراض والانشراح، إلا أنه يظل مدعاة ومثارا للاهتمام وجديرا بالاهتمام وبأن تسجل فيه ملاحظات وانطباعات أبرزها:

1 – مما لا شك فيه أن الساحة السنية تشهد منذ سنة صعودا لحركات وحالات إسلامية سلفية برزت باكرا وبشكل واضح في طرابلس وبرزت أخيرا في صيدا من خلال الشيخ أحمد الأسير الذي استقطب خطابه الديني والسياسي مؤيدين وأطلق ظاهرة أو حالة دعيت «الأسيرية»، ويمكن رد صعود الحالة الإسلامية السلفية الى أربعة أسباب رئيسية:

الأول له علاقة بأحداث وأوضاع متراكمة شهدتها الطائفة السنية وخلفت داخلها شعورا متزايدا بالقهر والظلم والإجحاف، لتكون الحالة الراهنة بمثابة رد فعل وبمفعول رجعي على هذه الأحداث التي بدأت مع اغتيال الرئيس رفيق الحريري ما تمثله من اغتيال لمشروع سياسي اقتصادي، وتواصلت مع أحداث ٧ مايو مع ما شكلته من تغيير في معادلة بيروت الأمنية والسياسية، وانتهت مع خروج أو إخراج الرئيس سعد الحريري من الحكم وبالطريقة التي حصلت.

الثاني له علاقة بالأحداث في سورية المتفاقمة منذ عام، والتي وجدت طريقها الى داخل الطائفة السنية التي تفاعلت مع هذه الأحداث وتعاطفت في أكثريتها الساحقة مع المعارضة والثورة، وأتاحت للحركات الإسلامية فرصة ومساحة أوسع من الظهور والتعبير وتمرير خطابها ومواقفها وأنشطتها.

 الثالث له علاقة بـ «الربيع العربي» الذي هو في الواقع «ربيع إسلامي»، وحيث من الطبيعي أن يكون صعود الإسلام السياسي، الذي برز فيه الأخوان والسلفيون، على الساحات العربية سببا في إنعاش وتقوية الحالة الإسلامية في لبنان.

 الرابع له علاقة بالظروف المحيطة بتيار المستقبل واضطرار زعيمه سعد الحريري للتواجد في الخارج، وحيث من الطبيعي أن تنشأ عن ذلك فراغات على الأرض يتبين الآن أن الحركات الإسلامية هي التي تملأها.

والآن هناك من يقول إن فريق 8 آذار يدفع الثمن جراء مساهمته في إقصاء الاعتدال السني المتمثل في تيار المستقبل، وهناك من يقول إن تيار المستقبل هو الذي يدفع ثمن احتضانه لهذه الحركات وتغذية التطرف الذي سيصبح خارج سيطرته ويتوسع على حسابه.

2 – الشيخ أحمد الأسير نجح في اختبار ساحة الشهداء:

نجح في الوصول الى بيروت وفي اختراق رمزي لمعادلة سياسية جعلت عاصمة لبنان مقفلة على الحركات السلفية التي تعتصم وتتمركز في عاصمتي الشمال والجنوب.

 نجح في حيازة منبر سياسي إعلامي واسع أتاح له إيصال صوته وموقفه بأسرع وقت وبأقل كلفة.

نجح في تقديم صورة منظمة سياسية عنه وعن تياره خالفت التوقعات بأن قدم عرضا هادئا منظما خاليا من كل مظاهر السلاح والعنف، وبأن توجه الى الهواجس المسيحية مطمئنا ومعلنا الحاجة الى استمرار الوجود المسيحي.

 نجح في الحصول على اعتراف سياسي تمثل في وجود وزير الداخلية مروان شربل ومصافحته إياه على المنصة، وكان أهم وأبلغ من عدم حصوله على إذن رسمي للتظاهر.

السابق
الحسن: الصفدي يتعرّض لضغوط لإخفاء القيود
التالي
جنبلاط يرفض دفع فدية مقابل نحّاس