بابا عمرو..غليون ووعود حمد

بعد سقوط بابا عمرو، الحي الذي كان يستهوي "المتفائلين" مقارنته ببنغازي الليبية، في أيدي القوات النظامية السورية، أصبح البحث عن "بنغازي" أخرى في سورية، تكون نقطة ارتكاز للإرهابيين في حربهم الموجَّهة بالريموت كونترول "الأطلسّية"، مهمّة صعبة، إن لم نقل مستحيلة. وقد كان جنونياً من البداية، أن يلجأ النافخون في "الغليون" وأمثاله الى المراهنة على حيّ في مدينة حمص التي لا تشبه بنغازي في شيء، ليكون بقعة الزيت التي ستتوسّع على المساحة السورية وتحاصر السلطة السورية شيئاً فشيئاً.
فحمص المدينة لم تقع يوماً واحداً تحت سيطرة المجموعات الإرهابية. وهذا يدلّ على أنّ شعب حمص بأكثريته لم يكن متعاطفاً مع الإرهابيين ومع أهدافهم. وبابا عمرو، الذي هو حيّ من أحيائها العديدة، ظلّ منذ الطلقة الأولى محاصراً، و"بقعة الزيت" التي كان الإرهابيون يحاولون توسيعها في كل الاتجاهات، ظلّت في الواقع تحترق من الداخل حتى لفظت أنفاسها الأخيرة في الأيام القليلة الماضية.
يؤدي ذلك الى الاستنتاج أن بابا عمرو لم تنجح يوماً في التحول الى"بؤرة ثورية"، ولم تكن إلا تجمّعاً للإرهابيين القادمين من كل حدب وصوب، من داخل سورية ومن خارجها خصوصاً. والمعلومات المتناقلة عن إلقاء القوات النظامية السورية التي دخلت الى بابا عمرو على العديد من الخبراء العسكريين والمقاتلين غير السوريين، من عربان وفرنسيين وأتراك وغيرهم تثبت، إذا تأكدت صحّتها، أن خطّة حلف شمال الأطلسي التي نجحت في بنغازي الليبية، قد فشلت ميدانياً في حمص السورية.
والإنجاز العسكري للقوات النظامية السورية، هو "بقعة الزيت" الحقيقية التي تبدو قادرة على الانتشار من بابا عمرو الى درعا وإدلب وسائر البؤر الإرهابية المتجمّعة قرب الحدود السورية مع تركيا ولبنان والأردن.
في موازاة هذا المشهد الميداني، تبدو حالة المشهد السياسي بمثابة تعبير عن المرحلة الجديدة، مرحلة ما بعد بابا عمرو:
ـ في الجانب الخليجي، عاد وزير الخارجية القطري حمد بدوره الى المطالبة ، بعد زميله السعودي الفيصل، بتسليح المعارضة السورية، أو بما يعني ضمناً تغيير نوعّية تسليحها لتمكينها من متابعة القتال، أقلّه بانتظار إعادة النظر الأطلسيّة في مسألة تدخل عسكري خارجي ضد سورية.
ـ ولأنّ حمد، رغم توتّّره، لم يفقد الأمل بعد في حصول مثل هذا التدخل، راح الآخر، ممثّل قطر والسعودية والأطلسي في مجلس اسطنبول، الغليون برهان، يدعو بدوره الدول الأجنبية الى تسليح "ثوّاره" الذين لا يعرف أحداً منهم على الأرجح، وينتقد مواقف "الحلفاء" الأطلسيين من بريطانيا الى فرنسا وأميركا، الحذرة في التعامل مع الأزمة السورية، على عكس السعودية وقطر "العظمى".
والأدهى في تصريحات "القائد" ـ الواجهة غليون، إعلانه "إننا لا نعرف الأسباب" وراء الصوت الأطلسي المنخفض والهادئ تجاه النظام السوري. بلى، هو يعرف جيداً أن استعادة السلطة السورية زمام الأمور ميدانياً سيرتّب على الأوساط الغربية أن تعيد النظر في حساباتها العسكرية والسياسية، ليس فقط تجاه سورية، بل أيضاً تجاه روسيا والصين اللتين دعمتا الموقف السوري بصدقٍ وبفهمٍ استراتيجي عالٍ للتوازنات والتحولات المرافقة للحدث السوري إقليمياً ودولياً.
إلى متى سيظلّ غليون يضبط عقارب ساعته على توقيت حمد القطري ووعوده العرقوبية؟   

السابق
ماذا يعني الإنتقال من محاكمة جماعة fدلاً من أفراد؟
التالي
التغيير يدق أبواب إيران