حزب الله وخيار الضربة لإيران

تقول أسطورة «قلعة مسادا» إن يهوداً متمردين على الحكم الروماني في القرن الميلادي الأول فضلوا أن يحرقوا أنفسهم جماعة، على الاستسلام للجيش الروماني الذي دق أبواب القلعة.
بعد نحو ألفي عام على هذه الأسطورة التي دحضتها كل الدراسات التاريخية، تماماً كما حاولت الدولة الإسرائيلية طمسها «لما فيها من تحريض على الانتحار»، عاد عدد من المعلقين الإسرائيليين لاستحضار «القلعة»، في الفترة الماضية، للتحذير من أي حرب إقليمية قد تزج إسرائيل نفسها بها.
المعادلة التي طرحت كانت «من لا يريد «هولوكوست» ثانية لا يذهب إلى مسادا ثانية». «الهولوكست» في هذه الحالة تستعمل للدفاع عن فكرة مختلفة تماماً مفادها أن تحرك إسرائيل لصد الخطر الذي يحيط بها حالياً هو أولوية قومية لا بد من الإقدام عليها اليوم قبل الغد، إذ أن الخيارات ضاقت لتقتصر على اثنين، إما مئات القتلى في حرب تبدأ الآن وإما «هولوكوست» جديدة قد يسببها التأخير، الذي يعني حكماً تعاظم قوة «حزب الله» وحلفائه الاقليميين.
لا يبدو «حزب الله» قلقاً من أي من السيناريوهين، ومع هذا فهو يرجح الاحتمال الأول لثقته بأن إسرائيل لن تغامر بحرق نفسها عبر محاولتها تحقيق ما عجزت أميركا، بكل تفوقها العسكري، عن تحقيقه في المنطقة. وفي السياق نفسه، يؤكد متابع لبناني دقيق لتطورات الداخل الإسرائيلي أن «كل ما يتردد من تهديدات لا يعبر عن المشكلة الحقيقة التي تواجهها الدولة الصهيونية من خلال توقف الهجرة الأوروبية إليها واستبدالها بهجرة عكسية أدت إلى بحث القيادة الإسرائيلية في مجاهل أفريقيا عن اليهود أو من هم من أصول يهودية لاستقدامهم إلى إسرائيل».
ومع تسليمه بالازمة الديموغرافية التي تشغل العقل الاسرائيلي، يرى باحث مقرب من «حزب الله» أن المرحلة الحالية هي مرحلة التوازنات الدولية والاقليمية الجديدة وتشي ملامحها الأولى بأن حرباً باردة جديدة بدأنا نشهدها ومسرحها سوريا».
لا تبدو هذه القراءة الهادئة للأحداث متأثرة بالكلام الاسرائيلي. «حزب الله» يتعامل مع التهديدات الصادرة من تل أبيب بوصفها «تهويلاً إعلامياً لا أكثر ولا أقل». ومع هذا، فإنه رفض تمريرها من دون رد حاسم، إن على لسان أمينه العام السيد حسن نصر الله أو على لسان نائبه الشيخ نعيم قاسم، عبر التأكيد أن أي ضربة لإيران ستؤدي إلى تفجير المنطقة.
قبل ذلك كانت إيران واضحة أيضاً في تأكيدها أن أي ضربة لن يكون الرد عليها موضعياً أو يطال أهدافاً إسرائيلية فقط، فالقرار الإيراني المتخذ حاسم في أن أي ضربة ستكون أميركا مسؤولة عنها، وبالتالي فإن قواعدها في المنطقة وربما أبعد منها لن تكون بمنأى عن الرد الايراني.
بغض النظر عن التهديد الإيراني، فإن الدبلوماسية الأميركية تجهد لعرقلة الاندفاعة الإسرائيلية، وصولاً إلى حد انقلابها على أدبياتها التي عبرت عنها خير تعبير في حرب تموز 2006 من خلال قيادتها هذه الحرب علناً وإصرارها على تمديدها خلافاً للرغبة الاسرائيلية. الانقلاب الأميركي وصل إلى حد القول إن إيران لا تملك سلاحاً نووياً أو أنها لم تأخذ قراراً بإنتاج هذا السلاح.
ويعتقد الباحث المقرب من «حزب الله» أن إسرائيل واعية تماماً لانحسار النفوذ الأميركي في المنطقة، وهي لذلك تصعّد من تهديداتها، لاعتقادها أنها أمام الفرصة الأخيرة لتحقيق أهدافها بضرب «حزب الله» والحد من تضخمه. وعليه، يرى الباحث نفسه أن تل أبيب تعمل على قاعدة أن «الحل الوحيد أمامها يتمثل في إطلاق شرارة الحرب الآن لزج أميركا فيها، قبل فوات الأوان، لا سيما أن كل المؤشرات تؤكد ان واشنطن لن تكون هي نفسها بعد سنوات، وأول الغيث كان خفضها ميزانيتها الدفاعية وسحبها جنودها من العراق وتحديد موعد للانسحاب من أفغانستان، وإبلاغ حلفائها بضرورة أن يعتمدوا على أنفسهم في الفترة المقبلة من دون أن يعني ذلك أنها ستوقف دعمهم بالتدريب والتمويل».
وفيما يتردد أن أبرز بنود اللقاء الذي سيجمع رئيس الوزراء الاسرائيلي ينيامين نتنياهو بالرئيس الأميركي باراك أوباما في واشنطن، سيكون إقناعه بحتمية «المعركة النهائية»، يراقب «حزب الله» مجريات الأمور بهدوء. يؤكد أنه جاهز لكل الاحتمالات، ثم يستنتج أن التهديدات الاسرائيلية ليست أكثر من تهويل.
الإيحاء بأجواء الحرب ليس جديداً، بحسب الحزب. في العام الماضي، هدد نتنياهو ووزير دفاعه أيهود باراك إيران أيضاً، قبل أن يتبين نتيجة المتابعة الدقيقة للمواقف الإسرائيلية أنه لم يبق أحد إلا وانتقد الخفة التي يتعامل بها الرجلان مع الموضوع، من خلال تهديدهما بما لا قدرة لكيانهما على تنفيذه.
من الواضح أن «حزب الله» يستخف بإمكان قيام إسرائيل بأي عمل حربي من دون ضوء أخضر أميركي، لا سيما أن إسرائيل لم تدخل يوماً في أي حرب من دون دعم أميركي مطلق. وهذا يعني بالنسبة للحزب كما بالنسبة لعدد من المراقبين، أن لا حرب في المنطقة بل توازنات جديدة في العالم.
الأهم من ذلك، بالنسبة للباحث المقرب من «حزب الله»، أن إسرائيل تعرف أن أي ضربة لإيران ستفتح جبهة «محور الشر» ضدها، وأول الردود سيــكون حكماً من لبنان، ولمن لم يقرأ الرسالة جيدا فعليه أن يعــيد قراءتها عندما قال السيد نصر الله في أول خطــاب له مطــلع هذه السنة، إن ايران لا تطلب منا شيئا اذا تعــرضت لأي اعتداء وهي على ثقة بقدرتها على الرد، لكن السؤال في مطرح آخر: ما هو واجبنا كمقاومين في هذه المعركة؟  

السابق
سَلِمَ شعبنا..أم ســلَّم…؟!
التالي
حرب: سنقاطع جلسة الإثنين إذا لم تتم مناقشة مشروعي قانوني الإنفاق معا