جدار الخوف أم سلام لبنان؟

يوضحُ الخطاب والأداء السياسيّان لحزب الله في الشهور الأخيرة أنّه ساعٍ بكلّ ما أوتيَ من أساليب إلى ترميم "جدار الخوف" في وجه اللبنانيّين.

والهدفُ الجليّ من وراء ذلك هو استبقاء لبنان خارجَ الربيع العربيّ عموماً والربيع السوريّ خصوصاً من جهة، ومنع تحقّق انتقال البلد إلى مرحلة سياسيّة – وطنيّة جديدة من جهة أخرى. وممّا لا شكّ فيه أنّ "حزب الله" المستقوي بسلاحه، يحاول تقديم قراءة سياسيّة للتطوّرات في المنطقة يوحي من خلالها أنّ ما يسمّى "محور الممانعة" سائرٌ إلى انتصار! وهو، في محاولته استعادة "جدار الخوف" يصوّره رديفاً لـ"الإستقرار"، بل هو ذاهبٌ في تمسّكه حتّى الآن بالحكومة على رغم تناقضاتها وفشلها، إلى حدّ اعتبارها عنواناً لذلك "الإستقرار" المزعوم.

غير أنّ الحزب تفوتُه، في هذا السياق، حقائقُ كثيرة.

تفوتُه أوّلاً حقيقةُ أنّ معظم اللبنانيّين يعون جيّداً أنّ ما يجري في المنطقة العربيّة من تحوّلات ديموقراطيّة، إنّما يحاصرُ "حزب الله" في لبنان كما يحاصرُ محور دمشق – طهران، ويجعل هذا "المثلّث" مأزوماً.

وتفوتُه ثانياً حقيقة أنّ معظم اللبنانيّين يدركون أنّ البطش الذي يمارسُه نظام الأسد – ويشاركُه فيه الحزب – ضدّ الشعب والثورة السوريَّين لا يسترُ واقع أنّ هذا النظام غير قادر على البقاء وأنّه ساقط في أيّ "لحظة"، كما يدركون أنّ النظام الإيرانيّ يواجهُ هو أيضاً أزمةً عميقة متجدّدة.

و"حزب الله" الساعي إذاً إلى ترميم "جدار الخوف"، مستقوياً بسلاحه ومحاولاً التقدّم بانتصار وهميّ، تفوتُه ثالثاً حقيقةُ أنّ رهانه على ذاكرة الخوف منه عند اللبنانيّين هو رهانٌ خاسر. ذلك أنّ "الخوف" الذي بناه في السنوات الماضية، سواء تجسّد في "تظاهرة شكراً سوريّا" عام 2005 أو في اجتياح بيروت والجبل عام 2008 أو في "إنقلاب القمصان السود" عام 2011، إنّما بناه في ظروف وتوازنات هي غيرها اليوم.

وأخيراً، تفوتُه رابعاً حقيقةُ أنّ 14 آذار تتعامل مع مسعى ترميم "جدار الخوف" بوصفه محاولةً فاشلة من "حزب الله" ليصنع من ضعفه قوّة، وهي مقتنعة بأنّ الجدار الساقط في المنطقة بما فيها إيران لن يعود إلى لبنان.

وواقع الأمر أنّ 14 آذار تتعاطى مع التطوّرات والتحوّلات العربيّة والسوريّة وانعكاساتها على لبنان بهدوء وعقلانيّة وحكمة.

فهي تنطلقُ من حسابات لبنانيّة عامّة لا من حسابات فئويّة. وتنطلقُ من اعتبار أنّ الربح والخسارة يعنيان لبنان كلّه لا جهة فيه فقط. والأهمّ، أنّ 14 آذار التي ترى في التطوّرات والتحوّلات الجارية فرصةً لسلام لبنان، ترفضُ أن يُزهر الربيع عربيّاً وسوريّاً وأن يُدفع لبنان في المقابل إلى الفتنة.

إذاً في تعاطيها "الحكيم" مع مسعى "حزب الله" إلى ترميم "جدار الخوف"، تحرصُ 14 آذار على السلم الأهلي، على عدم الانجرار إلى مكان يختاره الحزب أو غيره لها وللبنان كلّه. وتستند في ذلك على قاعدة أنّ الحكمة هي الشجاعةُ. وتحرصُ على إعادة تحطيم "جدار الخوف" بـ"السياسة"، بعمل سياسيّ – وطنيّ لا يضيّع البوصلة، أي يمكّن من تحقيق خلاص لبنان ممّا يعوّق سلامه.

من هنا، فإنّ 14 آذار التي تحيي بعد أسبوعَين ذكرى سقوط الجدار، ذكرى ثورة الأرز، ستردّ على "حزب الله" المستقوي بالسلاح والمنخرط في قمع السوريّين، والمنغمس في اختراع انتصارات وهميّة، برؤية إلى المستقبل تجمّع اللبنانيّين.

وستكون هذه الرؤية واضحةً جدّاً. وتأمل 14 آذار أن يستنتج "حزب الله" منها أنّ عليه أن ينتهيَ من "اللعبة" التي يواظب عليها حيال اللبنانيّين الآخرين. بل إنّ 14 آذار تأملُ أن لا يكرّر مع التاريخ الجديد الذي يمكن للبنان العبور إليه، ما يمارسه في الآونة الأخيرة مع "كتاب التاريخ".

فالتاريخ وكتاب التاريخ لا يكتبان بذهنيّة فئويّة كيديّة، ولا بذهنيّة تقسيميّة، ولا بـ"إنتصاريّة واهمة"، بل يُكتبان بذهنيّة وطنيّة جامعة… بذهنيّة إثبات أنّ لبنان وطن يستحقّ أن يكون سلمه مصاناً على الدوام.   

السابق
العثور على جثة مواطن على الضفة اللبنانية للنهر الكبير
التالي
مشاهدات من لندن