الصورة الأخيرة

اقرب الى الخيال الكلام الذي تناقلته بعض الصحف لتصريحات مثيرة للديبلوماسي الاميركي الشهير هنري كيسنجر، «لقد أبلغنا الجيش الاميركي اننا مضطرون لاحتلال سبع دول في الشرق الاوسط نظرا لأهميتها الاستراتيجية لنا خصوصا انها تحتوي على البترول وموارد اقتصادية أخرى».

البعض شكك بصحة هذا الحديث المنسوب لكيسنجر لبعده عن لغة ديبلوماسي داهية، لكن هذا الحديث يدخل في اطار تصريحات سابقة للجنرال الأميركي المتقاعد ويلي كلارك عام 2006 بوجود خطة لمهاجمة سبع دول في غضون خمس سنوات! وهو ضمن ما كان يصرح به كيسنجر سابقا وينظر حوله خصوصا في كتابه «الديبلوماسية» عن الفرصة الفريدة التي يراها بأن تعم القيم والثقافة الاميركية العالم، عالم تجمعه قيم وثقافة واحدة وهي بالتأكيد قيم وثقافة القوة الوحيدة العظمى المؤهلة لنشرها للعالم.

قد يكون هنري شطح كثيرا في أحلامه لأن الوقت الذي اطلق فيه نظرياته او خططه الطموحة يختلف عن الوقت الحالي وذلك بسبب الازمة الاقتصادية الخانقة التي تهز الاقتصاديات الكبرى في العالم ومن ضمنها الاقتصاد الأميركي مما حوّل اميركا الى دولة مدينة بشكل كبير، اضافة الى النزف الاقتصادي والبشري والنفسي الذي تسببت به الحربان في افغانستان والعراق، ومن تغير الاحوال بروز قوى عالمية جديدة كالصين وغيرها، وهي قوى تتطلع لتكملة نموها الى موارد الطاقة الحيوية التي يحتاج تأمينها الى علاقات دولية متوازنة ومستقلة.

لكن يمكن أن تكون هذه الظروف الخانقة هي السبب في تحويل احلام كيسنجر الى خطة عملية حتى لو كانت في الوقت الخطأ، فهذه الازمات قد تكون السبب في تعجيل العمل ضمن سيناريو مواجهات كبرى للسيطرة على النفوذ والطاقة وغيرها من الموارد في المنطقة، ولبناء وحدات سياسية متعاونة مع العالم الغربي ومتفهمة لشراهته وتكون هذه الوحدات السياسية الناشئة شعبية نوعا ما بعد سقوط البناءات السياسية السابقة المتهالكة والمستبدة. لقد مرت المنطقة بعقود من التسلط والظلم من الخارج ومن الداخل، لكن طبيعة التغطية الاعلامية والمتابعة السياسية لما يحدث في المنطقة من ثورات وقلاقل تثير الريبة، فكيف بجهات لا تقيم وزنا للحريات أن تدعم ثورات الحرية! وكيف لجهات دولية تعيش على الاستغلال للغير أن تقود الغير نحو الاستقلال! وكيف يتحول دور وسائل اعلام من ناقلة للأحداث الى صانعة للثورات؟ وللأمانة الأدبية، ليس كاتب هذه السطور هو أول من طرح هذه التساؤلات. تساؤلات تدعو للتوجس واخذ الحيطة مما يدور. ليس في ذلك مساس أو انكار لحاجة المنطقة للتغيير والثورة أيضا ورفع الظلم، لكن سيناريو الاحداث يشير الى أيادٍ كثيرة تريد أن تسرق مكتسبات الشعوب وتطلعاتها لمستقبل أفضل.

من الصعب قراءة الصورة كاملة لما يحدث في منطقة الشرق الاوسط، وما قد يحدث فيه من مواجهات كبرى، لكن الحقيقة تبقى أن الدول الكبرى في العالم غارقة في احداث المنطقة والمنطقة مرشحة لتدخلات أوسع، لكن الظروف الموضوعية لهذا العصر والزمان لا تترك خيوط اللعبة بأكملها في أيدي الكبار، ولعل المنطقة على موعد مع مفاجآت جديدة ولاعبين جدد، من ضمنهم بالتأكيد أبناء المنطقة أنفسهم، الذين سيكون لهم دور كبير في رسم الصورة الاخيرة.  

السابق
لعب مع الكبار
التالي
أنا كاثوليكي ـ عوني… إذاً أنا وزير