لماذا يرفض الغرب التدخل في سورية؟

بحجة تفكك المعارضة، يعلن الغرب إحجامه عن التدخل لوقف المأساة التي يواجهها الشعب السوري. بعد نيكولا ساركوزي وديفيد كاميرون، اللذين كانا الراعيين الحقيقيين لإنقاذ ليبيا من حكم معمر القذافي، وبعد الامين العام للحلف الاطلسي الذي لعبت قواته الدور الاكبر في حماية الثوار الليبيين ولو من الجو، ها هو رئيس هيئة الاركان الاميركية الجنرال مارتن ديمبسي يقول بوضوح ان «سورية ليست ليبيا اخرى»، ثم يضيف: «أتحدى أن يستطيع أي شخص أن يحدد لي بوضوح حركة المعارضة في سورية في هذه المرحلة».

كلهم يطالبون المعارضة السورية ببرنامج سياسي وخطة عمل لما بعد حكم بشار الاسد. وكلهم يشكون من ان هناك «معارضات» داخل المعارضة السورية. وكل هذا صحيح ومنطقي. والمعارضة نفسها تعترف بتفككها، وهي مطالبة بالعمل أكثر لتوحيد صفوف المعارضين الحقيقيين للنظام (اي غير اولئك الذين يعيّنهم النظام «معارضين»)، وللعمل على طمأنة الداخل والخارج الى المرحلة المقبلة. لكن الشكوك تدور حول خلفيات المواقف الغربية من النظام ومن المعارضة، والتي بات يمكن ان ينطبق عليها القول بأنها مطلب حق يراد به باطل.

أليس غريباً ان يوضع هذا الشرط على المعارضة السورية، بحجة انها غير موحدة، بينما يعرف الجميع طبيعة التفكك الذي كان قائماً داخل «المجلس الانتقالي» في ليبيا، وبين صفوف المعارضة الليبية، بين اسلاميين ودعاة دولة مدنية، وحتى بعض من عملوا مع النظام السابق. ومع ذلك، فان تلك الاختلافات لم تحُل دون توفير الدعم الغربي، السياسي والعسكري، للمعارضة الليبية، ولولاه لكان معمر القذافي ما زال يدير «الجماهيرية العظمى» حتى اليوم من باب العزيزية.

كلنا يعرف ذلك، والأدهى هو الاعتراف الغربي بأن القدرات العسكرية للنظام السوري تسمح له بإدارة المواجهات لفترة طويلة، فضلاً عن الامكانات التي يمكن ان يوفرها له الدعم الايراني والروسي، والبلدان اعلنا بوضوح حرصهما على بقاء هذا النظام. اي ان النظام السوري لا يقاتل وحده، بينما المعارضة متروكة لتدبر امرها، تعينها بعض المساعدات المالية التي تحصل عليها من رجال اعمال سوريين يقيمون في الخارج، ولا تعتمد في تسلّحها سوى على بعض عمليات التهريب، اضافة الى ما يستطيع العناصر المنشقون حمله معهم عند فرارهم، ومن الطبيعي ان لا يتعدى ذلك اسلحتهم الفردية.

كيف يمكن اذن في ظل هذا التفاوت الكبير في ميزان القوى، ان تتوقع الدول الغربية ان المعارضة ستتمكن بمفردها من اسقاط النظام؟ ثم، هل يصعب توقع ما يمكن ان يحصل في سورية في حال تمكن هذا النظام من البقاء؟ هل يمكن تقدير حجم القتل واعمال الانتقام التي ستقع في هذه الحال، والتي سيكون ما يحصل اليوم بالمقارنة معها مجرد نزهة بالنسبة الى المعارضة؟

لقد لعب الجيشان التونسي والمصري دوراً كبيراً في منع تحوّل رغبة هذين الشعبين في الحرية الى مجازر على يد نظامي بن علي وحسني مبارك. وساهم الجيشان بالتالي في الحؤول دون التدخل الخارجي، فأنجبت الثورتان نظامين جديدين من دون حاجة الى هذا القدر من الدماء الذي يسيل اليوم في شوارع المدن السورية، ومن قبلها في ليبيا. ولكن ما العمل اذا كان الجيش السوري، بمعظم ضباطه وافراده، جيشاً عقائدياً مهمته الاولى هي حماية النظام. وتربيته العسكرية تقوم على عدم التردد في قمع الشعب اذا تجرأ يوماً على رفع صوته في وجه قيادته؟

التدخل الخارجي ليس الحل الافضل لوضع حد للمأساة السورية. لكن ظروف المواجهة تؤكد يوماً بعد آخر انه من دون هذا التدخل ستتفاقم هذه المأساة وسيزداد عدد القتلى. فقد بات واضحاً ان البديل لعدم التدخل هو ترك سورية تنزلق الى الحرب الاهلية. قد يكون هذا ما يريده دعاة عدم التدخل وأعداء الشعب السوري، ولكنه بالتأكيد ليس ما يستحقه السوريون.  

السابق
الدستور السوري ضحك على الذقون!
التالي
المدّعي العام المالي لم يبدأ تحقيقاته حول فضيحة المازوت بعد!