الدستور السوري ضحك على الذقون!

بينما آلة القتل والتدمير مستمرة تسحق الشعب السوري المنتفض, وفي احتفالية استعراضية لتمويه جرائمه عرض النظام السوري ما قيل أنها مسودة الدستور الجديد, في محاولة لترقيع وجهه الدموي الكالح, وإثبات أن النظام قد تغير أو بالامكان أن يتغير من خلال وريقات مهلهلة أسماها »دستور الجمهورية العربية السورية« الجديد, الذي يُمهد لما قالوا عنها جمهورية سورية جديدة تعددية وديمقراطية! والنظام القمعي يعرف جيداً قبل غيره أن لا قيمة لوريقات مكتوب عليها دستور مسخ, تدوسه أقدام »الشبيحة« وزرف دبابات النظام وهي تفتك بالآلاف من الشعب السوري!
حين تسلم الرئيس السوري مسودة الدستور من اعضاء اللجنة المختصة, طلب من أعضاء اللجنة توعية المواطنين به, معتبرا هذه التوعية من مسؤولياتهم في حين لم تنشر مسودة الدستور إلا قبل أحد عشر يوما من موعد الاستفتاء عليه في ظروف غير عادية, بل مأسوية في الكثير من المدن السورية, مثل حمص وحماة ودرعا وريف دمشق وغيرها. وبشار هنا يناقض نفسه ويستعجل بإجراء استفتاء مشكوك بنزاهته وبالظروف الصعبة المحيطة به, وكأنَّ الهدف هو مجرد الإعلان عن إصلاحات مزعومة, لأسباب عديدة منها إعطاء داعمي النظام في موسكو وبكين وطهران ذخيرة سياسية تمكنهم من الدفاع عن نظام دموي يقتل المدنيين وعلى الهواء مباشرة.

الشعب السوري تلقى صيغة الدستور المهزلة بكثير من التهكم والسخرية, ورفض هذا المشروع المسخ, لأنه يعلم جيدا أن الهدف منه تمرير المرحلة وشراء الوقت في محاولاته المستميتة لقمع ثورة الحرية وإنهائها, ولئن كان النظام السوري يدعي أن الدستور الجديد هو قمة الإصلاحات الموعودة, وإنه يعد إنهاء لحكم الحزب الواحد, إلا أنه تناسى أن تكريس الحكم الديكتاتوري والحزب الشمولي ونظام القمع لن يتغير, وأن الدستور الجديد ما هو إلا تكريس للنظام الحالي بقناع مزيف جديد!
من قراءة متفحصة لنصوص الدستور الجديد تتكشف تناقضات النظام والتي هي بطبيعة الحال نقيض الاصلاح لتكشف زيفه وعبثيته. فهناك تشابه كبير بين الدستور الحالي المتهالك والدستور الجديد المقترح, والذي يبدو أشبه ما يكون بعملية تجميلية فاشلة لشد وجه دستور عام 1973. فقد جاء في المادة الأولى من الدستور الحالي: »الشعب في القطر العربي السوري جزء من الأمة العربية يعمل ويناضل لتحقيق وحدتها الشاملة«, اما في الدستور الجديد فانها اختفت.

أما الاشتراكية التي تكرر ذكرها في الدستور الحالي نحو 14 مرة بالنظام الاقتصادي وتربية النشء عليها, وعلى إعداد جيل يؤمن بها, فقد اختفت تماما من الدستور الحالي لتعلن فشل نصف قرن من التجارب المرة وليعيد الفاشلون صياغة دستور جديد, وكأنَّ الشعب السوري »حقل تجارب«! لا يتكلف صانعو الفشل فيها بالاعتذار للمجتمع والأجيال. سلوكيات النظام تحارب الحرية إلى حد قصف الأحياء والمدن السورية وتعذيب الأطفال حتى الموت لمجرد رفعهم شعارات تطالب بالحرية.

أما المادة الثامنة بالدستور الحالي والتي شكلت وصمة عار للنظام القمعي الشمولي كانت المستهدف الأساسي من التعديلات المقترحة, فلقد أزالت اسم حزب البعث كقائد في المجتمع والدولة, لتتحدث نظريا عن تداول السلطة وتختم بالنقطة الخامسة والتي تنص »لا يجوز تسخير الوظيفة العامة أو المال العام لمصلحة سياسية أو حزبية أو انتخابية«, لكننا نتساءل كيف سيتم تطبيق هذا البند على عصابات وزمر وكارتلات حزب البعث الحاكم والمهيمن على الحياة العامة منذ نصف قرن والمستفرد بإمكانات الدولة وامكانيتها.
 ولعل من سخريات دستور الأسد المقترح هو العودة بسن الرئيس إلى أربعين عاما بعد أن انتفت الحاجة لتعديل عام 2000 المضحك لصالح بشار حينها وتمت إضافة شروط جديدة لتقلل من فرص السياسيين بالتنافس على الرئاسة ولو نظريا, مثل الاشتراط على المرشح بأن يكون مقيماً في سورية لمدة لا تقل عن عشر سنوات إقامة دائمة متصلة عند تقديم طلب الترشيح, وهذا الشرط لم يكن ينطبق على بشار حين جاء من بريطانيا ليورث الحكم الجمهوري في سابقة مشينة, أما كلمة »متصلة« فهي تفتح الباب لاجتهادات لا حصر لرفض من يمكن أن يشكل منافسا قويا على الرئاسة, ومنع اي مناضل مرشح من المعارضة السورية للترشح لمنصب رئيس الجمهورية بحجة أنه لم يمض »عشر سنوات متصلة في سورية«.
وحتى يزول أي لبس بشأن تولي بشار الأسد ولايات جديدة رغم أن الدستور المقترح ينص على تحديد ولايتين فقط, تنص المادة 155 بالتالي: »تنتهي مدة ولاية رئيس الجمهورية الحالي بانقضاء سبع سنوات ميلادية من تاريخ أدائه القسم الدستوري رئيساً للجمهورية, وله حق الترشح مجدداً لمنصب رئيس الجمهورية وتسري عليه أحكام المادة »88« من هذا الدستور اعتباراً من الانتخابات الرئاسية المقبلة« هل سمعتم بالتاريخ عن دستور – يفترض أنه إصلاحي- يتحدث عن رئيس الجمهورية الحالي, فهل يهدف الدستور للحفاظ على الأمة أم على الرئيس الحالي؟

وإذا كانت من أشد مثالب الدستور الحالي هو منحه للرئيس حصانة وصلاحيات مطلقة, فإن عقلية سورية الأسد والتي ينسب بها البلاد والعباد للحاكم لا تزال تحكم وتتحكم بعقول من صاغوا الدستور المقترح. فالمادة 117 تعطي الرئيس حصانة مطلقة فتنص: »رئيس الجمهورية غير مسؤول عن الأعمال التي يقوم بها في مباشرة مهامه إلا في حالة الخيانة العظمى ويكون طلب اتهامه بقرار من مجلس الشعب بتصويت علني وبأغلبية ثلثي أعضاء المجلس بجلسة خاصة سرية, وذلك بناء على اقتراح ثلث أعضاء المجلس على الأقل وتجري محاكمته أمام المحكمة الدستورية العليا«. هذه المحكمة الدستورية العليا, وبحسب المادة 140 من الدستور المقترح يتولى الرئيس تسمية أعضائها السبعة, فيما تنص المادة 133 على أن الرئيس هو من يَرأس مجلس القضاء الأعلى. الصلاحيات الكبرى والعظمى للرئيس والتي منحه إياها الدستور »الاصلاحي« كثيرة منها: »تسمية رئيس مجلس الوزراء ونوابه والوزراء ونوابهم« (م/97) و »وضع السياسة العامة للبلاد« (م/98) و »إصدار القوانين والاعتراض عليها« (م/100) و»إعلان حالة الطوارئ وإلغاؤها«, »رئيس الجمهورية القائد الأعلى للجيش والقوات المسلحة« (م/105)
و»سلطة تعيين الموظفين المدنيين والعسكريين« (م/106), و»إبرام الاتفاقيات والمعاهدات م/107), و(منح العفو الخاص والعام ورد الاعتبار م/108), »سلطة حل مجلس الشعب« (م/111), و»تولي سلطة التشريع خارج دورات انعقاد مجلس الشعب« (م/112), حكماً.

– المادة 114: »إذا قام خطر جسيم وحال يهدد الوحدة الوطنية أو سلامة واستقلال أرض الوطن أو يعوق مؤسسات الدولة عن مباشرة مهامها الدستورية لرئيس الجمهورية أن يتخذ الاجراءات السريعة التي تقتضيها هذه الظروف لمواجهة الخطر« وطبعا هذه السلطة مطلقة غير مقيدة.
كما أن الدستور الجديد منع إقامة الأحزاب والجمعيات على أساس ديني أو مذهبي أو مناطقي أو مهني! وبالتأكيد أنه يتحفز لمنع أي مجال للإخوان المسلمين من إعادة نشاطهم العلني في سورية الجديدة, متغافلا عن أن لهذه الجماعة حضور كبير في الانتفاضة السورية منذ عشرة اشهر, وهي الجماعة التي نالت نصيبها الأكبر من القتل والتعذيب والتصفيات والتشريد والتهجير على مدى أربعين عاماً من الحكم الأسدي التسلطي.
إن قراءة متأنية لنصوص مواد الدستور المهزلة الذي يريد النظام السوري أن يسوقه باعتباره خطوة أساسية نحو إصلاح الأوضاع في سورية, ولكن الدستور يكرس الديكتاتورية, ويضع بيد الرئيس سلطات تشريعية وتنفيذية وقضائية وعسكرية. إنه دستور يمجد الاسد ويعطيه الفرصة لحكم سورية لمدة 14 عاما أخرى, لينافس الحكام الديكتاتوريين الظلمة في مدة سلطتهم التعسفية. إنه جزء من نهج وفكر النظام التعسفي الذي يريد أن يخدع العالم ويخدع الشعب السوري, لكن الشعب السوري الشجاع قال كلمته, ولن يثنيه أي شيء عن مواصلة جهاده من أجل تحرير سورية, وإنهاء آلة القمع والفساد التي تتحكم في البلاد. 

السابق
لبنان ينأى بنفسه مجددا ومصادر تؤكد انه لن يشارك بمؤتمر أصدقاء سوريا في تونس
التالي
لماذا يرفض الغرب التدخل في سورية؟