احتفال البيال بين مشهدين

احتفلوا في 14 شباط.. كانت الكلمات بمجملها استعراضية من وحي المناسبة، الآمال بدت كبيرة، إلا أنه وللأسف كانت الأوهام قاعدتها الأساسية.. لأن السؤال الذي يطرح نفسه في الواقع هو ماذا كانوا سيتكلمون لو أن الأوضاع في سورية كانت غير ما هي عليه الآن؟، أو أن موعدها القريب مع النهاية واستعادة سورية طبيعتها كان بالأمس بدل أن يكون خلال الشهر المقبل، فعمليات الحسم التي بدأتها الحكومة صارت في مراحلها الأخيرة، مع عدم استبعاد عمليات تفجير كالتي حصلت يوم الجمعة الماضي في حلب، فذلك دليل واضح على انسداد أفق تحرك الجماعات المسلحة واصطدام الضغط السياسي العربي- الغربي بحائط التوازنات الجديدة في العالم.

عبّر المتكلمون في احتفال (14) عن مكنوناتهم ولا بأس بذلك، لكن ما تضمنته الكلمات من تهديد ووعيد لا يبدو أنه يناسب أحجامهم الواقعية إن على المستوى السياسي أو على مستوى القدرة لتنفيذ خيار "الإلغاء" الذي لاح على الوجوه ولم تقاربه الأحرف تحسباً لما قد يأتي. غير أن التصعيد العربي – الغربي الواعد بتدخل ما، في وقت ما، يدغدغ مشاعر هؤلاء ويشكل بالنسبة اليهم الحبل الذي يتمسكون به من دون ملاحظة أنه بدأ يفقد متانته أمام عدم قدرة ذلك المحور العالمي على تحقيق ما يصبو اليه في وجه المحور الأصغر المواجه له من خلال الضغط السياسي والإغراءت المالية وهدر الدماء واستغلال أصحابها لأنها تظل أفضل الخيارات "الحربية" إذا ما قيست بحجم الحرب التي من الممكن أن يؤدي اليها أي عمل عسكري أو تدخل خارجي بالأزمات في المنطقة.

ما قدمه المتكلمون من مشاريع سياسية لا يؤشر إلى قراءة جيدة للوقائع الجارية، بل من المؤكد أنهم لا يريدون أن يروا الأمور على حقيقتها وهم يعتمدون فقط على ما يقال لهم من الدبلوماسيين في السفارات العربية والغربية وعبر الموفدين الدوليين عسكريين ومدنيين، الذين زاروا لبنان مرات عدة في الآونة الأخيرة لتنسيق الجهود والمواقف في ما يعني إدارة الأزمة في سورية خدمة للمعارضة التي شاركت بـ"رسالة" لم تكن سوى مشروع سياسي متكامل رسم خريطة طريق وصاغ علاقات بين الدولتين في أقل من ربع ساعة في محاولة لنسف ما بني في عشرات السنين الماضية، فضلا عما صاغه التاريخ وما صنعته الجغرافية في إقامة العلاقات بين الشعبين والدولتين في سورية ولبنان.

 تكلمت (14) بالنيابة عن (المجلس الوطني السوري) لأنه ما زال حتى الآن يتخبط في تكوين نفسه ولا يعرف رأسه من رجليه، مع الاشارة الى نشوء تكتل سوري جديد معارض تحت عنوان (التحالف الوطني السوري). لكن الأجمل هو أن من تلا النص ومن سمعه ومن مشى وراءه صدق أو شعر بأن الأمور كشربة ماء، وأن "دولة" سمير جعجع وسعد الحريري باتت جاهزة لـ"إلقاء القبض" على "العابثين بأمن الوطن ومصيره السياسي" المصبوغ بلون " القمصان السود" وأن المستقبل "الأزرق" أو "الوردي" بات يلوح في الأفق.

هي السذاجة بعينها أو ربما هو "الاستغباء" إن لم نقل أكثر من ذلك الذي يبني عليه هؤلاء أحلامهم. في حين أن قوى (14) في لبنان غير متكافئة مع خصومها السياسيين، إلا إذا كانت تخبئ بشكل جيد قوتها الحقيقية التي من الممكن أن تطفو على سطح الأحداث لحظة وقوعها. كما أن المنطقة لا تبدو أبداً متجهة الى ما يرونه من منجزات بالرغم من التحولات التي تشهدها، والتي لم يبن على نتائجها بعد حتى أولئك الذين يعتمد فريق (14) عليهم لتنفيذ مشروعه.
لا شك أن المنطق الذي يعمل على أساسه ذلك الفريق يعتمد بشكل رئيسي على امكانية حدوث تسوية ما تعيده الى مواقعه التي خسرها بحرب سياسية بعد فشله في إدارة البلاد، وارتهانه لقوى لا تريد من لبنان إلا ما عبروا عنه بالأمس لناحية سلاح المقاومة، الهدف الأساسي للولايات المتحدة خلال مرحلة خلط الأوراق الكبرى الجارية، والتي بدورها تريد أن تقدمه لـ"إسرائيل" كهدية بدلا من الخيار الأصعب وهو الانقضاض على إيران في لحظة باتت حرجة جداً امام تعاظم قوة الجمهورية الاسلامية التي دخلت عصر الطاقة النووية رغماً عن أنف كبرى الدول و"إسرائيل" ومن دون أدنى تنازل أو مساحة لتسوية تدفع هي أو حلفاؤها ثمناً لتحقيقها.

ما قالوه في الاحتفال يؤكد على ضعف حجتهم ومنطقهم، عدا ضعفهم البنيوي بالرغم من تضافر جهود تحالفهم العربي – الغربي التي تراوح مكانها منذ اشهر طويلة، في وقت يتقدم خصومهم بشكل مضطرد باتجاه تموضعهم وتنفيذ مشاريعهم ولو بعد حين. ففي لبنان ليس هناك سوى الكلام الذي حتى تراجع منسوبه قبل "همروجة" البيال. أما في سورية فإن مصادرها الموثوقة اكدت أنها في مرحلة الحسم و"التطهير" التي لم تبدأ إلا قبل عشرة أيام بعد أن صبرت طويلاً، في حين دشنت إيران "نوويتها" أمس وبدأت هجومها النفطي المضاد على العقوبات الدولية المفروضة عليها.
ليست الأمور بالسهولة التي صورتها قيادات (14) في كلماتها، فلا طريق السلاح الذي رسمته له صالح للسيرعليه، وهو مناقض لأهدافه وأصل وجوده، ولا سبيل الى تطويع ذلك السلاح بالقوة، كما أن انتظار تنحي الرئيس بشار الأسد سيطول كثيراً، عدا عدم امكانية تحقيق ذلك في ظل ما تريده غالبية الشعب السوري وما تملكه سورية من أوراق يعرفها الجميع. وعلى ضوء ذلك، فإن "الاحتفال" المقبل يجب أن يعي الحقائق.. ليتكلم.  

السابق
الخوري: رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة وليس مدون جلسات
التالي
خطاب البيال.. وخيبة الأمل!