حكومة..أم مكتب خدمات؟

مرة أخرى تدقّ أجراس حكومة الانقلاب لتدلّ الى أن تشكيلتها منافية لطبائع الأشياء اللبنانية الأولى، والتي بقيت أولى رغم ما انضاف إليها من مؤثرات على مرّ السنوات الماضيات.
حكومة انقلابية في بلد توافقي… حتى لو استمرأت السلطة، وخاضت في مشاكل ويوميات لبنان الانمائية والسياسية على الطريقة المألوفة الخاصة بالمحاصصة، من دون أن يكون في ذلك أي جديد يستحق الذكر، فإنها في أساسها بقيت مناقضة لمسلمات وطنية كبيرة أولها ذلك العرف الذهبي القائل بأن الكسر والشطب في بلدنا بضاعة مستوردة الى سوق سلبية ومتيقظة. وان أحداً لا يمكنه إلغاء أحد. كما لا يمكنه الفوز بالضربة القاضية في أي منازلة سياسية أو عسكرية أو ديموغرافية، وإن كل من جرّب ذلك خرج بأنف مدمّى، وحصد الزوان وزوم الحنظل، حتى لو عَامَ لفترة من الزمن على مركب الانتصارات المعسـّلة!

حكومة لا تشبه لبنان واللبنانيين رغم ان فيها من يحاول ويتعب، لأن تبقى الدولة قائمة، ومؤسساتها تليق بصفة الرسمية أو الدستورية التي تحملها!
ولا يفاجئ ذلك الهريان في جسمها إلاّ الواهمين الذين افترضوا أن الانقلاب يستبدل الانتخاب. وأن صندوق الذخائر يستبدل صندوق الاقتراع. وان الوكلاء يستبدلون الاصلاء. وإن اللبنانيين صاروا في أمكنة أخرى، وأمزجة مختلفة، وانتماءات غير ذاتية، فقط لأن طرفاً مسلّحاً واحداً قرر التطاول على خيارات الآخرين وتنصيب زعيم عليهم غير الذي اختاروه، وركّب في سبيل مشروعه، تركيبة هجينة غير واضحة المعالم تماماً، بحيث لا يُعرف ما إذا كانت حكومة واحدة أو تجمّعا ائتلافيا لحكومات شتى، أو مجرد غطاء فضفاض مرقّع بألف رقعة، لتغطية فعل الشارع المسلّح بهوية الشرعية الدستورية؟!

وأغرب ما في حكايات الاجتماعات الوزارية والمناكفات التحاصصية، وتكبير الكلام عن الإصلاح من جهة والصلاحيات من جهة ثانية، هو ان أطراف برج بابل هؤلاء حوّلوا تلك الحكومة الى ما يشبه مكتب الخدمات المتبادلة: كل طرف يهاجم الآخر بطريقة مفيدة للطرفين في النهاية، تعزّز وضعية الهاجم والمُهاجَم بدل تنكيسها، وترفع شأن كل واحد داخل "قومه" بدلاً من ضعضعة ذلك الشأن.. بطولات متبادلة، ايجابياتها في عُرف المتصارعين أكبر من سلبياتها، حتى لو دفع اللبنانيون أثماناً مريرة لها، تتمظهر في استمرار غياب أو تغييب حلول جذرية لأزماتهم الخدماتية الجليلة! والتي صارت صنواً للعار، إن صحّت مراتب اللغة واعتدل ميزان الحق والقياس!

..أحدهم يحكي عن الإصلاح ولا يخطو خطوة واحدة إلاّ باتجاه التخريب. ويحكي عن الفساد ولا يخطو خطوة واحدة إلاّ باتجاه مصادرة ما أمكن من "مقومات" ذلك الفساد.. وثانيهم يحكي عن الصلاحيات و"يضرب" على الطاولة بيده، وينسى انه أول من ارتضى بانتهاك تلك الصلاحيات، عندما ارتضى بانتهاك الدستور والعُرف، وغطّى الانقلاب المسلّح من دون رفّة جفن!
  

السابق
الجميل: نتمنى ان لا تعود الاغتيالات
التالي
عُقد عونية.. برسم الحل!