بري نحو موقف متمايز عن «حزب الله» رغم التحالف معه

في ظل المتغيرات والتطورات الداخلية والخارجية، يحرص الرئيس نبيه بري والأوساط القيادية في حركة أمل على اظهار بعض التمايز في مواقفهم وأدائهم السياسي عن مواقف قيادات «حزب الله» رغم «التحالف الاستراتيجي» بين الطرفين.
فالرئيس بري وقيادات الحركة -حسب مصادر مطلعة في الحركة وقريبة من بري – يدركون حجم التحديات والمخاطر التي يواجهها لبنان في هذه المرحلة وما يمكن ان ينعكس عليه من تداعيات من جراء ما يجري في بعض الدول العربية، ولذلك يؤكدون ضرورة دراسة ما يجري من أحداث وتطورات ووضع استراتيجية مستقبلية تنطلق من التعاطي مع المتغيرات الحاصلة وتستوعب ما يجري وتقدِّم أفكاراً واقتراحات جديدة، سواء على صعيد الوضع الداخلي اللبناني أو الوضع العربي.
وانطلاقاً من هذه الرؤية، عمد الرئيس بري خلال الأشهر الماضية إلى تأكيد ضرورة العودة للحوار الداخلي والبحث عن حلول لمختلف الأزمات والابتعاد عن القطيعة مع أي طرف سياسي لبناني حتى لو كان هناك تباين في المواقف معه. اما قيادة الحركة، وخصوصاً على صعيد المكتب السياسي، فقد عمدت الى اجراء سلسلة لقاءات مع العديد من القوى السياسية والحزبية اللبنانية لبحث مختلف التطورات والتوصل الى قواسم مشتركة من أجل معالجة الأزمات الداخلية وحماية لبنان من تداعيات ما يجري في المنطقة.
فكيف ينظر الرئيس بري وقيادة الحركة الى ما يجري من أحداث وتطورات لبنانية وعربية؟
وما هي التحديات التي تواجههما من أجل تفعيل دور الحركة في المرحلة المقبلة؟
رؤية بري والحركة للمتغيرات
بداية كيف ينظر الرئيس نبيه بري وقيادة حركة أمل الى ما يجري من أحداث وتطورات لبنانية وعربية؟
تقول مصادر مطلعة في الحركة وقريبة من الرئيس بري «ان الحركة تدرك مخاطر التطورات الحاصلة عربياً وحجم المتغيرات الكبيرة في المنطقة منذ الثورة التونسية مروراً بالثورة المصرية وما جرى في ليبيا واليمن والبحرين وسوريا».
وتكشف المصادر عن وجود وجهتي نظر داخل قيادة الحركة: «الأولى تعتبر ان كل ما يجري يتم ضمن مخطط دولي يسعى إلى تغيير الوضع العربي بما يخدم مشاريع الدول الكبرى وان كل ما يجري يتم وفق أجندات محددة، والثانية تعتبر ان ما جرى هو ثورات شعبية حقيقية على الأنظمة التي كانت تمسك بالحكم، لكن الأميركيين وبعض الجهات الدولية والعربية عمدت الى العمل على استيعاب هذه الثورات والتحركات من أجل الحفاظ على مصالحها، لكن الصراع لا يزال قائماً والأمور لم تصل الى نتائج حاسمة بانتظار تبلور صورة الوضع بشكل أكثر وضوحاً.
لكن رغم التباين الموجود داخل قيادة الحركة حول تقييم ما جرى وما يجري في المنطقة، يرى الرئيس بري وقيادة الحركة «ان الأولوية اليوم هي لحماية الوضع اللبناني من تداعيات المتغيرات وضرورة العمل من أجل تعزيز الحوار الداخلي وحماية الوحدة الوطنية والاسلامية والابتعاد عن كل ما يثير النعرات المذهبية والطائفية».
وانطلاقاً من هذه الرؤية كان الرئيس بري حريصاً خلال الأشهر الماضية على تكرار الدعوة للعودة الى طاولة الحوار والبحث عن حلول للأزمات المختلفة، والحرص على إبعاد لبنان عن التداعيات الحاصلة في المنطقة، كما ان قيادة الحركة عمدت الى عقد سلسلة لقاءات مع قوى سياسية وحزبية وشخصيات دينية من أجل تحصين الوضع اللبناني والإسلامي والبحث عن كيفية التعاطي مع المتغيرات الحاصلة.
التحديات أمام حركة أمل وبري
لكن هل ينجح الرئيس بري وحركة أمل في التمايز عن «حزب الله» وتقديم أداء مختلف لمواجهة المتغيرات الداخلية والخارجية؟
المطلعون على الوضع داخل حركة أمل وعلى كيفية مقاربة الرئيس نبيه بري للأوضاع الداخلية والخارجية يتحدثون عن العديد من التحديات والعقبات التي تواجه بري والحركة في سبيل تقديم رؤية جديدة ومتمايزة.
وأول هذه التحديات هو صعوبة انفكاك موقف الحركة عن موقف «حزب الله» والعلاقة القوية التي تربط الحركة وبري مع النظام السوري، وحالياً مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ما يجعل مواقفهم تأخذ في الاعتبار هذه المعطيات، مع ان الرئيس بري يسعى للاستفادة من الهامش الواسع المتاح له سياسياً وبرلمانياً لاطلاق بعض المبادرات السياسية داخلياً وخارجياً.
وثاني هذه التحديات له علاقة بالوضع التنظيمي داخل الحركة، الذي يتطلب الكثير من التطوير لتفعيل دور قيادات الحركة وكوادرها بعيداً عن العصبية المذهبية ولمواجهة بعض المظاهر السلبية التي تجري التغطية عليها في بعض المناطق التي للحركة وجود قوي فيها.
وأما ثالث التحديات فيرتبط بالرئيس بري والأوساط القريبة منه، حيث تشير بعض المصادر الى استمرار بعض المظاهر السلبية من خلال الاهتمام بزيادة الثروات المالية وتسهيل عمل بعض المتعهدين، ما يثير بعض الأسئلة والشكوك، وهذا يضعف صدقية الدعوات للتغيير واعطاء الأولوية لتحسين الوضع الداخلي ومواجهة الفساد.
ورابع التحديات هو ضعف حضور الحركة على الصعيدين العربي والإسلامي وانحسار دورها في ما يقوم به الرئيس نبيه بري من نشاطات مرتبطة بموقعه في رئاسة المجلس النيابي، وهذا يتطلب إعادة تفعيل العلاقات الخارجية مع العديد من القوى العربية والإسلامية وخصوصاً الحركات الإسلامية التي نجحت في الوصول الى الحكم أو البرلمانات العربية بعد الثورات العربية.
اذاً، أمام الرئيس بري وحركة أمل ورشة متكاملة من أجل مواكبة المتغيرات والتطورات العربية وكيفية تحصين الوضع اللبناني، ورغم الصعوبات والاشكالات التي تواجهها فإنها قادرة على تقديم «خطاب جديد» يستلهم مواقف وأداء الامام موسى الصدر الذي نجح في الستينات والسبعينات في إقامة شبكة واسعة من العلاقات اللبنانية والعربية والدولية واقتحام الكثير من المواقع الدينية الإسلامية والمسيحية رغم الظروف الصعبة التي واجهها والتي دفع ثمنها عبر اختطافه وتغييبه.
ان الرئيس بري وحركة أمل أمام تحديات جديدة داخلياً وخارجياً، فهل يستطيعان بلورة رؤية متمايزة وقادرة على مواكبة هذه التحديات؟
قاسم قصير – مجلة الأمان – 27/1/2012

السابق
أيها الغرب.. كفاك كذباً!
التالي
لا إكراه في الكحول