نحّاس: سنفور وحيد بين شرشبيلات المال

إنتهت معركة تصحيح الاجور وخرج منها وزير العمل شربل نحاس وحيدا وبرتبة "متحفّظ" على قرار مجلس الوزراء الذي اقر مشروع "هؤلاء"، وهي كلمة حرص على تردادها قبل ايام، وكان يقصد بطبيعة الحال اركان "الاتفاق الرضائي"، اي الاتحاد العمالي العام وممثلي اصحاب العمل ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي.

فاز "هؤلاء"… اما شربل نحاس الذي قاتل من اجل مشروعه بتبنٍ وتكليف من قبل كتلة "التغيير والاصلاح" النيابية، فبدا شبه وحيد في آخر الشوط، يغرّد في مجلس الوزراء وحيدا ومن دون عازفين.
وفي صراعه مع الطبقة المالية السياسية المتحكمة بالسياسات الاقتصادية والمالية للدولة، التي كانت "الحريرية" تشكل حصنها الاقوى ورأس حربتها في نظر الوزير المثقل بمواجهتها منذ زمن الاب وصولا الى مرحلة الابن، ومع اسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري، بدت الطريق سالكة امام الوزير المناضل، وربما اعتقد ان قاعدة الحكومة التي تستند الى سواعد مناضلي حزب الله والتيار الوطني الحر، وبمساعدة بقية الحلفاء في 8 آذار وصولا الى القيادة السورية الممانعة والمزدرية لرموز الحريرية، كفيلة بأن تحدث التحول النوعي، لا سيما ان هذه السواعد هي من اخرج الحريرية من الحكومة رغما عن انفها وانف من يحميها، وهي التي مهدت الطريق لمرشحها الرئيس نجيب ميقاتي.

 تنفس الوزير المناضل الصعداء: فالفرصة التاريخية سنحت، ومن موقعه كوزير عمل سعى الى تحقيق شيء من طموحاته، وهي بالتأكيد تعكس مصالح فئة واسعة من المجتمع اللبناني، كما أنّها واقعية لجهة صوغ العلاقة بين العمال واصحاب العمل على قواعد تلجم الجموح المالي والاقتصادي لالتهام حقوق العاملين وحقوق الدولة. ومع استحقاق المعركة سعى نحاس الى ادراج بدل النقل في اساس الراتب، لادراكه ان اكثر من 50 في المئة من العاملين في القطاع الخاص لا يصل الى جيوبهم هذا البدل.
وفي معزل عن موقف مجلس شورى الدولة على هذا الصعيد، الذي يبقى تفصيليا في طبيعة المعركة التي خاضها الوزير نحاس، بدأ يكتشف ان "الحريرية" ما زالت حيّة ترزق. هي التي اعتقد ربما لوهلة انها تصدّعت وافترض امكانية احداث هذا الخرق في البنيان المالي والاقتصادي ما لبث هذا المناضل ان وجد نفسه، وهو يسعى الى اقتطاع جزء من مكاسب اصحاب العمل لصالح العمال وحمايته وتشريعه، ان مجلس الوزراء ليس الا ممثلا لهذه الطغمة المالية والاقتصادية، وان الشبهة النضالية والاصلاحية التي راهن عليها في هذه الحكومة ليست الا وهما. ربما أخيرا شعر نحاس بغربة حقيقية في مجلس الوزراء، وأدرك أنّ ما ظنّه جبهة متراصة حول مشروعه في وجه بعض الفلول ما هو إلا مجموعة من محترفين مطيعين لمصالح اقتصادية ومالية، وهم في لحظة الاستحقاق لن يرضوا بأن تهتزّ مصالحهم، بل في حرفيتهم وانتهازيتهم السياسية سيبيعونه إلى أوّل مشتر وإلى كل من لديه ما يبيع وما يرغب بشرائه.

هكذا تحول مشروع نحاس نحو سوق النخاسة. بيع بربع من الفضة. فمن أيّد مشروعه كان اشد لؤما عليه ممن اعترض، لأنّه أيّده وهو يدرك انّ المشروع لن يمر وبالتالي فهو ضامن النتيجة وساع الى مكسب في موضوع آخر. فكسب المؤيدون مرتين، أمّا الرافضون لهذا المشروع فكانوا من "بيت أبي"، أو ربما هي براءة ثورية جعلت الوزير نحاس، يظن ان سعيه إلى تحصين حقوق مئات الآلاف من العمال كفيل بأن ينتفضوا لمصالحهم ويهتفوا لهذا المشروع، لكنه ايضا لم يوفق الى ذلك.
ربما لم يدرك شربل نحاس الا اخيرا ان هذه الحكومة، بكل من تضم، هم خصومه، وان الحريرية التي حاربها لم تكن الا واجهة او عنواناً سياسياً، اما ما خفي فكان اعظم… ربما لم يفطن الوزير نحاس انه في الحكومة ضمن حسابات وضعها من أتى به، وبالتأكيد فإن تكن قد أتت به مواقف سياسية تنتمي الى المقاومة وشعارات الاصلاح والتغيير، إلا أنّها جاءت به نكاية بالرئيس الحريري ليس اكثر، فمهمته ليست اكثر من المشاغبة والازعاج، اما عندما يتجاوز هذه الحدود الى تحقيق بعض الطموحات التي يحملها واحداث تغيير حقيقي واصلاح يعتقده، فهذا تجاوز للوظيفة التي جيء به من اجلها. ولكونه يرفض ان يكون كبعض زملائه طيّعا يسكت حين يقال له وينقلب على نفسه حين يشار اليه، فهو اذن وزير مزعج ويفترض التخلص منه… لذا ليس امام وزير كشربل نحّاس، منسجم مع قناعاته، ومهما اختلف الناس حول هذه القناعات، ليس أمامه إلا أن يصنع لنفسه نهاية درامية كي تكتمل اسطورة وزير مناضل، بدلا من النهاية الكوميدية الجارية حاليا.
كان نحّاس يظنّ أنّ ممثلي اللبنانيين سنافر وأنّ الحريري الأب شرشبيل ماليا، فاكتشف أنّ الطبقة الحاكمة شرشبيلات متناسلة، وأنّه سنفور وحيد. 

السابق
البناء: التعيينات والموازنة على نار حامية بعد تجاوز استحقاق الأجور
التالي
عاش معاشك