ثورة.. أم مخاض؟!

في خ.ضمّ الأحداث التي عصفت – وما زالت تعصف – بالعالم العربي، وبعد كوارث تونس ومصر وليبيا، ومخاض الصراع في اليمن وسوريا، يجدر بنا أن نقف هُنيهة لنتساءل: «وماذا بعد؟!».
للإجابة عن هذا السؤال ينبغي ان نعرف «ماذا قبل؟». ونعني بذلك: كيف اندلعت هذه الثورات فجأة ومن دون سابق إنذار. هناك عدة نظريات في هذه الخصوص. احداها ان هذه الثورات ما هي سوى مؤامرة تحيكها أميركا وإسرائيل لنشر الفوضى الخلاَّقة في العالم العربي. وثانيها ان هذه الثورات ما هي سوى صرخة شعوب، أذلها القهر والحرمان واضطهدها الفساد والدكتاتوريات. ونكتفي بهذين السببين، لنحلل كلا منهما، لعلنا نصل إلى جواب شافٍ ومقتنع.
ان المراقب المحايد لمجريات الأحداث ولسياسات الدول الاستعمارية العظمى يجد ان هذه الدول تعتمد على أجهزة مخابراتها في رصد الحركات وتجنيد العملاء ومراقبة الأحداث. ففي الحالة التونسية كان الرئيس الأسبق الراحل بورقيبة قد بلغ من العمر عتياً وكانت سياسته المشهورة «خذ وطالب» قد نجحت في تخليص تونس من براثن الاستعمار الفرنسي، أما بعد الثورة الناصرية فقد حصل التصادم بين الساسة والعسكر في العالم العربي، خصوصاً بعد زيارة بورقيبة الشهيرة للمشرق العربي. ولا يمكن أن نبرّ.ئ الدول الكبرى من دورها الخبيث في تغذية هذا الصراع.

وحيث إن المد الثوري كان حازماً، فقد استطاع قوقعة «البورقيبية» وتحجيمها، التي كانت قد ترهلت وخاب بريقها. وهنا اقتنص وزير الداخلية الشاب – آنذاك – بن علي، الفرصة وتسلم الحكم بسهولة ويسر، وبمساعدة المخابرات الداخلية والخارجية، وهنا نستطيع الاستنتاج ان الطموح الشخصي والنفوذ الخارجي اتحدا في امتصاص النقمة الداخلية والخارجية، وأنقذا تونس من الوقوع في أتون الثورة الناصرية. واننا بهذا التحليل لا ندعي إثبات حقيقة ما حدث بسبب غياب الأدلة والبراهين، نستنتج ما حدث بالتحليل المنطقي الرصين، ونخلص من ذلك الى القول إن الدول الكبرى إذن تتعامل مع أفراد وليس مع الشعوب. ويهمها عامل الاستقرار. والتبعية التي يوفرها لها شخص يتمتع بموهبة الخداع مع «كاريزما» معينة تجعله مقبولاً في نظر الجماهير. إذاً، فقد فوجئت الدول العظمى بالثورة التونسية، لا سيما ان الشاب بن عزوزة، الذي أشعل شرارتها بإشعال نفسه، كان يعبر عن سخطه وإحباطه بدافع فردي بحت هو والجماهير، التي نزلت إلى شوارع تونس، مؤيدة لمعاناته، لأنها تعبير عن معاناتهم ومناهضة لحكم دكتاتوري فاسد، لم يعد بإمكانهم السكوت عنه. لهذه الأسباب، نجد ان الثورة التونسية هي ثورة شعبية خالصة وأصيلة، لأنها وطنية الاتجاه والمنحى والأهداف، وهي بحق تجسد «الربيع العربي» الموعود. أما ما حصل في بقية الدول العربية، ففي مقال آخر، إن شاء الله.
  

السابق
الأمير..وقوات قطر العربية
التالي
المرعبي: مطار الشهيد رينيه معوض نفط عكار وسنناضل لتشغيله