مسيرة نسوية ضد الاغتصاب

لم تمنع رداءة الطقس والأمطار المتساقطة بكثافة، من نزول المتظاهرين الى الشارع دعما لحقوق الانسان ودفاعا عن المرأة. أتوا حاملين مظلاتهم، وتجمعوا لكسر جدار الصمت في مواجهة سلطة طائفية احتكرت الحريات وبررت اثمها بالتحايل على القوانين. شبان وشابات، ناشطون وناشطات، كلهم تجمعوا أمام وزارة الداخلية في الصنائع السبت، ليشاركوا في "مسيرة ضد الاغتصاب" نظمتها جمعية "نسوية" بالتعاون مع مجموعة من الحركات النسائية منها جمعية "كفى عنف واستغلال".
هتافات عديدة صدحت بها حناجر المتظاهرين، عكست كلها واقع الغبن التي تعيشه المرأة واستخفاف الطبقة السياسية بملف العنف الأسري. "ثورة، ثورة نسوية … ثورة ضد العنصرية" عبارة كررها المتظاهرون."ما نقصده بثورة هو أننا نطالب بتغيير جذري فنحن لن نقبل بأنصاف الحلول" هكذا عبرت نادين معوض لـ"النهار" وهي عضو منظم في جمعية نسوية عن الموقف النسائي تجاه هذه القضية، مطالبة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بتقريب وجهات النظر بين الأحزاب السياسية والزعامات الطائفية وصولا الى اقرار مشروع قانون حماية المرأة من العنف الأسري.

شارك المئات في المسيرة التي انطلقت من أمام وزارة الداخلية وصولا الى مجلس النواب في ساحة النجمة، والتي تم الترويج لها عبر مواقع التواصل الاجتماعي والمدونات، بالاضافة الى مقاطع فيديو عرضت على موقع يوتيوب الالكتروني، حثت فيها مجموعة من الصحافيين والفنانين، المواطنين على النزول الى الشارع. وأوضحت معوض أن كل النشاطات والمشاريع التي نقوم بها في "نسوية" هي من دون تمويل، وقد تعتمد على الهبات أحيانا، ولذلك لجانا الى العالم الافتراضي الذي يسهل عملية ايصال الرسالة". حمل المتظاهرون لافتات تندد بقانون العقوبات الحالي، خصوصا المادة 522 منه والتي تجيز تخفيف العقوبة في حال تزوج المغتصِب المعتدى عليها.
عبروا عن قلقهم من واقع فرضته هشاشة القانون، "اكيد الامان خف هالايام وزيادة حالات الاغتصاب صارت بتخوف، حتى الدرك اللي عالشارع بيخوفوا !" تؤكد رشا الأمين.
وفي اضاءة قانونية على هذا الملف، سألت "النهار" الدكتورة في قانون العقوبات في الجامعة اللبنانية ماري الحلو عن مدى ملاءمة النص القانوني اليوم لمتطلبات المجتمع، فأشارت الحلو الى ضرورة تعديل المادة 503 من قانون العقوبات، بحيث أن المشرع لا يعتبر الزوج مرتكبا لجريمة الاغتصاب اذا أكره زوجته على الصلة الجنسية به "هناك اختلاف أساسي في هذا المجال بين القانون اللبناني والقانون الفرنسي، علما أن قوانينا مقتبسة في معظمها عن هذا الأخير"، مضيفة: "من غير المنطق عدم تجريم الاغتصاب الزوجي". ولفتت الحلو الى أن الجرائم غير المصرح عنها هي في معظمها جرائم اغتصاب، خصوصا اذا كان المغتصب أحد أفراد العائلة، "في هذه الحالة يكون الخوف من الكلام أقوى". وأكدت الحلو أنه "من الضروري تأمين التسهيلات والحماية للمرأة كي تتجرأ وتقدم شكواها"، مشددة على أنه لا يكفي فقط تعديل النص القانوني انما يجب تأمين فاعلية، اذ إن ذلك أحد شروط تعديل النصوص.

من جهة أخرى، عبر متظاهرون لـ"لنهار" عن موقفهم ازاء قانون العقوبات اللبناني، فرأى المدون أسعد ذبيان انه "اذا تعدل القانون فسوف يكون بمثابة العنصر الرادع بالنسبة الى الرجال، "لأن بعقلية الرجال انو هوي عم بمارس حقو ومش عم يرتكب جريمة والقانون مسهل علي هيدا الموضوع !"، في حين تصف رنا فرحات القانون بأنه متخلف وظالم في حق المرأة، مشيرة الى دور الشباب والمجتمع المدني في ايجاد حركة تغييرية: "من واجبنا نثور لأن مش معقول يبقى القانون بلا تعديل !". وعند الوصول الى المحطة الأخيرة، وجهت رئيسة جمعية "كفى" السيدة زويا روحانا سؤالا الى المسؤولين: "كيف لنا أن نساوي بين المرأة والرجل وهي التي تُغتصب وتعنف؟" في اشارة الى رفض اللجنة النيابية تمرير مشروع قانون حماية المرأة من العنف الأسري باعتباره مخالفة للدستور الذي ينص على المساواة. وتضيف: "المادة 9 من الدستور تضمن احترام نظام الأحوال الشخصية والمصالح الطائفية، تلك التي تنكل بالمرأة يوميا فأين المساواة التي تفاخرون بها؟"، لافتة الى التكتم عما يحصل في اجتماعات اللجنة النيابية المكلفة درس المشروع، "ممنوع نعرف شو عم بصير بها اللجنة رغم انو الموضوع بهم الشأن العام؟".

واعتبرت معوض أن "المنظومة البطريركية ودار الفتوى هما خصمانا الاساسيان في هذه المعركة"، في حين يعبر بعض الأوساط المسيحية عن القبول بما جاء في مشروع القانون باعتباره لا ينتقص من صلاحيات المحاكم الروحية المسيحية، وينتج مزيدا من التكامل بين الدولة والكنيسة هذا ما جاء على الأقل في مواقف راعي أبرشية بيروت وجبيل للكاثوليك المطران كيرللس سليم بسترس. في حين يؤكد الشيخ يوسف علي سبيتي أن الشريعة الاسلامية تعتبر الزوج مذنبا اذا قام بتعنيف زوجته، مشيرا الى أن الاسلام لا يتيح للزوج اكراه زوجته على الصلة الجنسية به، "وقد جاء في الأحاديث النبوية الشريفة أنه من مظاهر العجز عند الرجل أن يقارب زوجته فيصيبها –أي يجامعها- قبل أن يحدثها أو يؤانسها".
"بخاف ع خياتي وقرايبيني البنات لأن الشوارع مليانة زعران" يشير الصحافي علاء شهيب، بينما تؤكد عبير غطاس أنه "لا قانون يحميني من المغتصب فأنا أحمي نفسي بنفسي".
وفي ظل خضوع المسؤولين للقيادات الطائفية تبقى مشاريع حماية المرأة معلقة مع وقف التنفيد.  

السابق
تقرير وزارة الزراعة حول الرعام: يؤكد انتشار المرض ويوصي بالحجر الصحي
التالي
إيران والخليج: درء الفتنة