ولادة حركة إصلاحيّة في التيّار الوطني

راقب بعض المعارضين لسياسة العماد ميشال عون في «التيّار الوطني الحر» الرجلَ مستقبِلاً بالأمس وفداً مؤيّداً للنظام السوري، راقبوه وهو يصف الإعلام الذي يدعم الثورة السوريّة بالدعارة.

وقد احتار هؤلاء ماذا يقولون إزاء هذه "الظاهرة الفريدة التي تخطّت كلّ النسخات الجنبلاطيّة الركيكة في التقلّب من بطن الى ظهر وفي ركوب موجة الأنا التي غالباً ما يضفي عليها راكبها مهمّات رسوليّة كلِّف بتحقيقها لإنقاذ الجماعة الخائفة التي يقودها من ظلام خوف من الاكثريّة الإرهابيّة الى نعمة الاستظلال بجماعة الاقلّية المستبدّة".

كما راقب المعارضون أنفسهم الجنرال "الذي لم يكد حبر كلامه ينشف وهو الكلام الذي خطّه حرفاً حرفاً في سابق الزمان محذّراً ممّا يبشّر به اليوم، لكأنّ قائل الكلام "بيت بمنازل كثيرة".

ويقول هؤلاء "إذا نسي او تناسى البعض مواقف الجنرال فهل نستطيع نحن ان ننساه عندما قال في شهادته امام الكونغرس الاميركي في العام 2003: "من يتستّر على الانظمة الدكتاتورية بحجّة الخطر الاصوليّ فهو ساذج وأحمق".

"لا يمكن للمرء منطقيّا أن يفصل النظام السوري عن الإرهاب، فسوريا توفّر ملاذا آمنا لعدد كبير من المنظّمات الارهابيّة، وهي تستخدم لبنان المحتلّ كحقل رئيسي للتدريب والعمليّات؟

"إنّ الانظمة الدكتاتورية التي تخلق لدى شعوبها شعوراً محبطاً بعدم قدرتهم على التأثير وإحداث ايّ نوع من التغيير من خلال الوسائل الديموقراطية والسلمية هي السبب في الاصوليّة".

"الافتراض بأنّ هذه الأنظمة يمكن أن يوكل إليها أمر تفكيك المنظّمات الإرهابيّة هو قمّة في السذاجة والحماقة".

ويضيفون: لاحظوا جيّدا كم كرّر الجنرال وصف من يصدّقون النظام السوري الذي يدّعي محاربة الاصوليّة بالسذّج، ولاحظوا أيضا انّه وللاسف بات يقود منذ عودته الى لبنان حملة التبشير بأنّ النظام هو الضمانة الاولى للمسيحيّين في مواجهة الاصوليّة، فهل كان ما قاله وما عبّر عنه منذ العام 1988 خاطئا أم مضلّلا، وهل إنّ سبعة عشر عاما من ادّعاء معرفة حقيقة النظام السوري تغيّرت بمجرّد قدومه الى لبنان وعقده اتّفاقا مع هذا النظام؟ أم إنّ الجنرال كان يدّعي القدرة على السخرية من السذّج والحمقى مصدّقي النظام في ادّعائه محاربة الاصوليّات، فيما هو اليوم صدّق فعلاً أنّ ما قاله كان كلّه مجرّد خطأ تاريخيّ عمره فقط سبعة عشر عاما، من تاريخ حرب التحرير حتى تاريخ تحقّق التحرير؟

ويقولون: نريد ان نعرف هل انّ مرحلة عودة الجنرال كانت هي المرحلة الحقيقية ام المزيّفة، وهل انّ ما بعد عودته هو التاريخ الحقيقي للتيّار، وهل انّ المعادلة التي حاول بها الجنرال غسل ادمغة الكوادر والقاعدة، والتي تدّعي بأنّ التيّار لا مشكلة له مع النظام السوري بمجرد خروجه من لبنان قد طبقت فعلاً، في وقت نرى انّ الجنرال يدافع عن النظام داخل سوريا اكثر ممّا يدافع النظام عن نفسه، هي معادلة يحترمها من أطلقها؟ إم إنّه بات جزءاً لا يتجزّأ من منظومة واحدة مع النظام السوري، واضعاً كلّ تاريخ التيّار الوطني ونضالاته في تحالف يناقض ادبيّات التيار الداعمة لحرّية الشعوب، تلك الحرّية التي كرّر العماد عون الكلام عنها كثيرا في شهادته امام الكونغرس الاميركي، ذلك قبل ان يكون قد اعلنها دستورا من قصر بعبدا حين قال "العيش خارج أُطر الحرّية هو شكل من اشكال الموت؟؟

فما الذي عدا ما بدا حتى يصبح العيش خارج التحالف مع "النظام المجرم" (التعبير لعون) شكلاً من اشكال الموت؟

يكشف المعترضون على سياسة الجنرال أنّ حالة تململ يعيشها بعض الكوادر في التيّار جرّاء لعبة "الصولد" في دعم النظام السوري التي يلعبها الجنرال، ويتذكّرون انّه سبق له ولعب "صولد" خاسراً حين دعم صدّام حسين، ولا يستبعدون ان يؤدّي الرهان الجديد الى خسائر كبيرة، ومن هنا تدخّل البعض منهم للمَونة على الجنرال بعدم الخروج الى الاعلام، بعد سقطة مهلة الثلثاء التي حدّدها لنهاية الثورة السوريّة، تلك السقطة التي حدت بهؤلاء الى التمنّي على الجنرال تفادي كثرة الكلام في هذا الظرف تجنّبا لعدم تكرار الأخطاء في مرحلة انتقاليّة خطرة.

أمّا من خارج نادي الكوادر المعترضة والصامتة حول الجنرال، فتتحضّر مجموعة من المبعدين تضمّ ضبّاطاً سابقين وكوادر لإطلاق ما سوف يسمّونه الحركة الاصلاحية في التيّار الوطني الحر، وهدفهم منها ترجمة لحركتهم: الإصلاح والتصويب قبل فوات الأوان.

هؤلاء يطالبون اللواء عصام أبو جمرة بالإسراع في الاعلان عن ولادة الحركة الاصلاحية واختصار الوقت، لأن أضرارا كثيرة يمكن تفادي انعكاسها على "التيار الوطني الحر"، وهم مستاؤون ممّا وصل اليه التيار ومستاؤون من الانقسام الوطني الحاصل من 8 آذار كما في 14 آذار التي برأيهم ليست على قدر تحمّل مسؤوليّة كبيرة كالتي كان يحملها التيار الوطني في مرحلة ما قبل العام 2005، هم يريدون للتيّار في هذه اللحظة التاريخيّة ان يكون التيّار الذي يشبههم، ومن اجل ذلك سيضعون في جدول اولويّاتهم اعادة وصل ما انقطع من تاريخهم مع الحاضر والمستقبل، وعن ذلك يقول احد هؤلاء بحماس وجدّية: "ربّما أوّل مهمّة ستكون لنا بعد اعلان حركتنا الإصلاحيّة إعادة تحديد مفهوم الحماقة والسذاجة".   

السابق
حرب: على الدولة التأكيد مجددا لبان كي مون احترامها القرارات الدولية
التالي
ما سر الحيوية السياسية لدى حزب الله