السفير: الأسد يعترف بالأزمة الوطنية ويتمسّك بالحل الأمني ويهاجم الجامعة العربية

أعلن الرئيس السوري بشار الأسد، في خطاب القاه أمس، على مدرج جامعة دمشق أن «الأولوية القصوى» للسلطات في الوقت الحالي هي في السعي لاستعادة الأمن الذي لا يتحقق «إلا بضرب الإرهابيين القتلة»، مشيراً إلى أن استفتاء سيجري على دستور جديد في آذار المقبل، تليه انتخابات تشريعية في أيار أو حزيران، مؤكداً انفتاحه لتشكيل حكومة تضمّ «كل الأطراف السياسية من الوسط إلى المعارضة إلى الموالاة، فالحكومة هي حكومة الوطن وليست حكومة حزب أو دولة».
وشن الأسد، في خطابه الذي استغرق حوالى ساعتين، هجوماً على الجامعة العربية ودولاً عربية اتهمها بالتآمر على سوريا. وبالرغم من اعترافه بالأزمة الوطنية إلا انه رماها على التدخل الخارجي والعربي في بلاده. وقال «بعد أن فشلوا في هجماتهم الإرهابية في سوريا أتى دور الخارج. وعندما نقول الخارج عادة يخطر ببالنا الخارج الأجنبي. مع كل أسف أصبح هذا الخارج مزيجاً من الأجنبي والعربي، وأحيانا وفي كثير من الحالات يكون هذا الجزء العربي أكثر عداء وسوءاً من الجزء الأجنبي». وأضاف «لا نستغرب أن يأتي يوم تربط الدول سياساتها بسياسات دول خارجية على طريقة ربط العملة بسلات عملات خارجية، وعندها يصبح الاستغناء عن السيادة هو أمر سيادي».

وتابع «لماذا بدأوا المبادرة العربية. نفس الدول التي تدّعي الحرص على الشعب السوري كانت في البداية تنصحنا بموضوع الإصلاح. طبعاً هي لا يوجد لديها أدنى معرفة بالديموقراطية وليس لها تراث في هذا المجال، ولكن كانوا يعتقدون بأننا لن نسير باتجاه الإصلاح، وسيكون هناك عنوان لهذه الدول لكي تستخدمه دولياً، بأن هناك صراعاً داخل سوريا بين دولة لا تريد الإصلاح وشعب يريد أن يصلح أو أن يتحرر أو ما شابه». )
وتابع إن «الجامعة العربية هي مجرد انعكاس للوضع العربي، وهي مرآة لحالتنا العربية المزرية، فإذا كانت قد فشلت خلال أكثر من ستة عقود في إنجاز موقف يصبّ في المصلحة العربية فلماذا نفاجأ بها اليوم، والسياق العام هو ذاته لم يتغير ولم يتبدل سوى أنه يسير بالوضع العربي من سيئ إلى أسوأ، وما كان يحدث بالسر أصبح يحصل بالعلن تحت شعار مصلحة الأمة».
وأكد أن «موضوع إخراج سوريا من الجامعة لا يعنينا لا من قريب ولا من بعيد»، لكنه شدّد على «أننا لم نغلق الباب على الحلول والاقتراحات، ولن نغلق أي باب على أي مسعى عربي طالما أنه يحترم سيادة بلادنا واستقلالية قرارنا ويحرص على وحدة شعبنا».

وتحدث الأسد عن العلاقة بين الإصلاح السياسي ومكافحة الإرهاب. وأشار إلى انه تم خلال المهلة المقررة إصدار قوانين رفع حالة الطوارئ والأحزاب وإجراء انتخابات الإدارة المحلية «في ظروف صعبة جداً»، كما انتهت الحكومة من إعداد التعليمات التنفيذية لقانون الإعلام.
وحول تعديل الدستور، قال الأسد «بعد أن تنتهي لجنة تعديل الدستور في المدة المحددة من إنجاز الدستور فمن الممكن أن يكون الاستفتاء عليه في بداية آذار، ومن الممكن أن تكون الانتخابات التشريعية في أوائل أيار، أما إذا كانت المهلة الدستورية ثلاثة أشهر فيمكن أن تكون في أوائل حزيران وكل هذا يعتمد على الدستور الجديد».
وتابع «مع الدستور الجديد وقانون الأحزاب ظهرت قوى سياسية جديدة، لا بد أن نضعها بالاعتبار. فهناك من يطرح مشاركة هذه القوى السياسية في الحكومة بكل أطيافها والبعض يركز على المعارضة، وأنا أقول إن كل الأطراف السياسية من الوسط إلى المعارضة إلى الموالاة والكل يساهم، فالحكومة هي حكومة الوطن وليست حكومة حزب أو دولة، وكلما وسعنا المشاركة كان هذا أفضل من كل النواحي وللشعور الوطني بشكل عام»، لكنه اعتبر أن «المعارضة عادة هي حالة مؤسساتية وتظهر من خلال الانتخابات. الآن لا يوجد لدينا انتخابات. كيف نعرفها ومن يشارك وما هو حجم المشاركة. لا يوجد لدينا الآن معايير قبل الانتخابات المقبلة. كنا نستطيع أن نقول هذه الحكومة بهذا الشكل يمكن أن تتم بعد الانتخابات، ولكن نحن نريد أن نستبق الأمور ونسرع الزمن ونبدأ الآن بالمشاركة قبل تلك الانتخابات. إذاً سنعتمد على معايير خاصة، وليس على معايير مؤسساتية».
وحول الوضع الأمني، قال الأسد إن «الدول تعيد ترتيب أولوياتها في حالة الحرب أو المواجهة والأولوية القصوى الآن، والتي لا تدانيها أي أولوية، هي استعادة الأمن الذي نعمنا به لعقود، وكان ميزة لنا ليس في منطقتنا فحسب بل على مستوى العالم، وهذا لا يتحقق إلا بضرب الإرهابيين القتلة بيد من حديد، فلا مهادنة مع الإرهاب ولا تهاون مع من يستخدم السلاح الآثم لإثارة البلبلة والانقسام، ولا تساهل مع من يروع الآمنين ولا تسوية مع من يتواطأ مع الأجنبي ضد وطنه وشعبه». وأكد أنه «لا يوجد أي أمر في أي مستوى من مستويات الدولة بإطلاق النار على أي مواطن» الا في حالات «الدفاع عن النفس ومواجهة المسلحين».

ردود على الخطاب
وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية فيكتوريا نولاند «من المثير الإشارة إلى أن الأسد في خطابه وجه أصابع الاتهام إلى مؤامرة خارجية واسعة إلى حد أنها تضمّ الجامعة العربية وغالبية المعارضة السورية وكل المجتمع الدولي». وأضافت إن الرئيس من جهة أخرى «يبدو أنه ينكر بقوة أي مسؤولية لدور قواته الأمنية نفسها» عن أعمال «العنف».
وقال وزير الخارجية الفرنسي ألان جوبيه «إن هذا الخطاب يأتي على النقيض مما كان يمكن أن نتوقعه. إنه يحضّ على العنف وعلى المواجهة بين الاطراف، وهو نوع من إنكار للواقع». وطلب من الجامعة العربية أن «تقدم تقريراً الى مجلس الامن» عن نتائج بعثة مراقبيها في سوريا. وقال إن «19 كانون الثاني يجب ان يكون المهلة الأخيرة، لا نريد ان ننزلق في ذلك الى ما لا نهاية ونأمل في هذا الموعد ان تقدم لنا الجامعة تقييماً واضحاً لمدى احترام النظام السوري لما قطعه من تعهداته». واضاف «اذا لم تكن نتائج هذا التقرير إيجابية فإننا نأمل ان ترفع الجامعة تقريراً الى مجلس الامن الدولي»، متحدثاً عن ارتكاب «جرائم حقيقية ضد الانسانية» في سوريا.
وسارع المجلس الوطني السوري المعارض إلى مهاجمة خطاب الأسد. وقال رئيسه برهان غليون، في مؤتمر صحافي في اسطنبول، «خرج علينا رأس النظام بخطاب خطير أكد فيه إصراره على استعمال العنف ضد شعبنا واعتبار الثورة مؤامرة إرهابية، وبالتالي قطع الطريق على أي مبادرة عربية أو غير عربية لإيجاد مخرج سياسي للأزمة وتجنيب سوريا ما هو أسوأ».
واعتبر غليون أن الأسد أكد في خطابه «إصراره على دفع الشعب إلى الانقسام والى الحرب الأهلية». ودعا المجتمع الدولي والهيئات الإنسانية إلى «العمل من أجل تأمين الحماية الدولية للمدنيين السوريين»، مكرراً مطالبته الجامعة العربية «برفع الملف إلى مجلس الأمن والهيئات الدولية ليتحقق ذلك».
وقال منسق «التنسيق الوطنية» حسن عبد العظيم، «لم يأت الخطاب بأي جديد قد ينهي الأزمة ونتائجها». وأضاف «تحدث الأسد مجدداً عن المؤامرة الأجنبية وزعم ان الجامعة العربية غطاء لتدخل خارجي من دون الإشارة إلى ما تريده الجامعة العربية، من خلال خطتها، بأنها تريد حماية الشعب السوري».
ووصفت «لجان التنسيق المحلية» خطاب الاسد بأنه «هزلي» و«أمر عمليات بمزيد من المجازر ما يعكس نية مبيتة لسفك مزيد من دماء السوريين تحت ذريعة مواجهة مؤامرة خارجية كبرى».

الهجوم على المراقبين
وأدان الامين العام للجامعة العربية نبيل العربي تعرض مراقبين في سوريا الى هجمات وإصابة بعضهم وحمّل الحكومة السورية «المسؤولية الكاملة» عن حمايتهم. ورد وزير الخارجية السوري وليد المعلم، خلال استقباله رئيس فريق المراقبين الفريق محمد احمد مصطفى الدابي في دمشق، «ان سوريا ستستمر بتحمل مسؤولياتها بتأمين أمن وحماية المراقبين وعدم السماح بأي عمل يعيق ممارسة مهامهم». واكد «استنكاره ورفضه لأي عمل تعرضت له فرق البعثة او اي عمل يعرقل تأديتهم لمهامهم انطلاقاً من قناعة سوريا ان نجاح مهمة المراقبين العرب في سوريا يصب في مصلحة سوريا والجامعة العربية».

مجلس الأمن
وقدم الامين العام المساعد للامم المتحدة المكلف الشؤون السياسية لين باسكوا تقريرا امام مجلس الامن حول التطورات في سوريا. ونقلت المندوبة الاميركية لدى الامم المتحدة سوزان رايس عن باسكوا قوله إن «400 شخص قتلوا في سوريا منذ بدء مهمة مراقبي الجامعة العربية» في 26 كانون الاول الماضي.
واثر اجتماع مجلس الامن، جدد السفراء دعوتهم روسيا الى البدء بمفاوضات جدية حول تبني قرار في شأن «القمع» في سوريا.
وقال المندوب الفرنسي لدى الامم المتحدة جيرار ارو «نأسف لكون المفاوضات بطيئة جداً. لقد طلبنا نصاً جديداً منذ بعض الوقت وعبرنا عن إحباطنا». وقالت رايس «حان الوقت ليتبنى هذا المجلس قراراً قوياً يدعم الجامعة العربية».
واعلن المندوب الالماني لدى الامم المتحدة بيتر فيتيغ أن برلين اخذت زمام المبادرة باسم الدول الأوروبية للمطالبة بإجراء «مفاوضات جدية» تمهد لاستصدار قرار في مجلس الأمن الدولي يدين «القمع» في سوريا. واعتبر أن موقف روسيا المناهض لاستصدار قرار عن مجلس الأمن «غير مرضٍ».
وأشادت وزارة الخارجية الروسية، في بيان، بعمل بعثة المراقبين العرب في سوريا. وقالت «اعتبر ان نشر المراقبين العرب في هذا البلد شكل عامل استقرار وساهم في الحصول على صورة واقعية وموضوعية لما يحصل في سوريا». واضافت «اننا مقتنعون بأن على الجامعة العربية أن تضطلع بدور اساسي في ترسيخ الجهود الدولية والإقليمية لتجاوز سلمياً الأزمة الداخلية في سوريا ووقف اعمال العنف دون تأخر».

إسرائيل وتركيا
عرض رئيس الأركان الإسرائيلي الجنرال بيني غينتس أمام لجنة الخارجية والأمن في الكنيست توقعاته للأحداث في المنطقة عموماً، وفي سوريا خصوصاً واستعداد جيشه للتعامل مع عواقبها. ودخل غينتس على خط التحريض الطائفي، مشيراً إلى استعداد إسرائيل لـ«استيعاب نازحين علويين» ضمن سيناريوهات تطور الأحداث هناك. وقال إن المخاطر من لبنان تضاعفت في السنوات الأخيرة خمس مرات وهناك خطر انتقال أسلحة استراتيجية من سوريا إلى لبنان.)
وذكرت وكالة «دوغان» التركية أن مسؤولي الجمارك الاتراك اعترضوا اربع شاحنات للاشتباه في انها تحمل معدات عسكرية من ايران الى سوريا. ونقلت الوكالة عن حاكم اقليم كيليس يوسف اوداباس قوله إن الشاحنات صودرت عند معبر «اونكوبينار» الحدودي المؤدي الى سوريا بعد ان تلقت الشرطة معلومات بشأن الشحنة. واضاف «الجمارك صادرت الشاحنات الأربع بزعم انها تحمل معدات عسكرية»، موضحاً ان خبراء ارسلوا من انقرة لفحص الشحنة.  

السابق
العرب واستثمار الدم السوري: الشعب لن يقبل
التالي
الحياة: واتكنز يناقش التحضير لزيارة بان لبنان: حريص على إظهار التزامه القوي بهذا البلد