الأسد ربح الجولة الأولى لكن الحرب طويلة!

… وهكذا صار. جاء المراقبون العرب إلى سوريا ليكونوا شاهداً ضدّ النظام، فتحوّلوا شهوداً على التزامه المبادرة العربيّة. وهم مرشّحون ليكونوا قنبلة خلافيّة في الجامعة العربية: لقد ربح الأسد هذه الجولة! 

نجح الرئيس بشّار الأسد في تمرير الأسبوع الأوّل من مهمّة المراقبين العرب وفقاً لما يطمح إليه، أي كسب الوقت، لشهرين إضافيّين. ويجهد الأسد خلال هذه الفترة للإيحاء بأنّه يلتزم الوعود التي قطعها عربيّاً ودوليّاً لإنجاز الإصلاحات المطلوبة. وهو سجّل فِعلاً مجموعة نقاط لمصلحته في وقت ثمينٍ وحاسم. وتتقاطع معلومات المصادر الديبلوماسية وتحليلاتها حول هذه النقاط، التي من شأنها، إذا لم يطرأ جديد يكسر "الستاتيكو" القائم، أن تطيل أمد الأزمة السورية الى حدود غير محسوبة، وتالياً عمر النظام وتزيد من حجم الخسائر.

والنقاط التي سجّلها النظام في مصلحته هي:

1 – يُنتظر أن يقدّم رئيس فريق المراقبين محمد الدابي تقريره الأوّل في الساعات المقبلة الى مجلس الجامعة العربية. وبدا واضحاً من خلال التناقض في الرؤية بينه وبين بعض أعضاء الفريق، أنّه سيُصدر تقريراً يتماهى مع طروحات النظام. فالدفعة الأولى من المراقبين (إقتصرت على نحو 70 عنصراً تولّت "مراقبة" 6 مدن) سجّلت سحب الدبّابات والأسلحة الثقيلة الى خارج المدن، وإطلاق 3483 معتقلاً. ولم يجد الدابي ما هو "مُرعب" في حمص، حيث اصطدم مع الثوّار لا مع النظام. وحصل الدابي على دعم من الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي الذي أبدى ارتياحه لحصول 130 وسيلة إعلاميّة على تراخيص لتغطية التطوّرات، في مقابل حجب التراخيص عن ثلاثٍ فقط هي "الجزيرة" و"العربية" و"فرانس 24". وهذا يعني أنّ الدفعة التالية من المراقبين، والتي تضمّ نحو ثلاثين، لن تقدّم ما هو مختلف. والكلام الذي أورده العربي عن وجود قنّاصة وأعمال قتل بدا دون الحجم الذي تطمح إليه المعارضة، وهو أقرب إلى التطمين بأنّه قيد المعالجة.

فالنظام استطاع "إستيعاب" المراقبين وجهّز الأرضيّة التي تعطي صورة معيّنة للواقع. وهو تعمّد تخفيف حجم القمع، وأطلق تظاهرات مؤيّدة له في موازاة الحراك الاعتراضي، وأعاد انتشار قوّاته بعيداً عن أعين المراقبين، وأطلق ما أمكن من معتقلين، عِلماً أنّ هذه المبادرات ليست ثابتة، ويمكن النظام أن يتراجع عنها في أيّ لحظة، حتى خلال انتقال المراقبين من مدينة الى أخرى.

2 – تزامُناً، سيباشر الرئيس الأسد بالإعلان عن سلسلة الخطوات التي وعد بها في طريق الإصلاح. وهو سيطلق مبادرات داخلية جديدة، بدءاً من خطابه المنتظر، وصولاً الى قيام حكومة تشارك فيها أسماء بارزة في "معارضة الداخل"، وإقرار تبديلات في المؤتمر المتوقّع لحزب البعث الشهر المقبل. وقد يقتضي ذلك الإعلان عن خطوات تؤدّي الى فكّ الارتباط بين الحزب وهيكليّة السلطة. ويعني ذلك في الدرجة الأولى تعديل المادة 8 من الدستور، القائلة بأنّ البعث هو "الحزب القائد". وستكون هذه المبادرات عنصر "تنفيس" للنقمة داخليّاً وعربيّاً ودوليّاً، بحيث ينزع النظام ورقة الإصلاح من أيدي خصومه.

3 – على خلفيّة الإشكاليّة في النظرة الى الإصلاح والتدخّل الخارجي، يستفيد النظام من تباعد النظرة بين طرفي المعارضة السوريّين: "المجلس الوطني" و" هيئة التنسيق لقوى التغيير الديموقراطي". وفي تقدير المصادر، أنّ النظام يساهم في إشعال الخلافات بين أجنحة المعارضة على طريقة "فرّق تسُد". ففيما تنتظر الجامعة العربية وثيقة "سوريا الغد" التي تمّ إعدادها في القاهرة بين ممثلي الطرفين، لتكون مادة حوار مع النظام ــ كما قال العربي ــ برزت الخلافات حولها بين هذين الطرفين، خصوصاً في ما يتعلّق بالتدخّل الأجنبي والنظرة الى المرحلة الانتقالية. وهذا الخلاف يمدّ النظام بمزيد من الأوكسيجين، لعدم وجود طرف يمكنه أن يكون البديل للنظام، أو على الأقلّ ليكون محاوراً له.

4 – تتوقّع المصادر أن تظهر تباينات في وجهات النظر العربية حول الملفّ السوري في المرحلة المقبلة. وثمّة من يتحدّث عن ليونة بدأت تشهدها العلاقات بين بعض القوى العربية الكبرى ودمشق، خصوصاً في ظلّ التوتّرات الداخلية التي حصلت أو تلك المحتمل حدوثها في دول عربية، وقد يكون للملفّ السوري انعكاس عليها. ويتمّ الحديث في دمشق عن رؤية جديدة لبعض الأنظمة العربية إزاء النظام السوري.

5 – هناك تراجع نسبيّ في الضغط الدولي والعربي على النظام. فالجامعة العربية التي سيجتمع وزراء خارجيتها بعد أسبوع، تعيش حال انتظار للتقرير تِلو التقرير عن المراقبين العرب. وستشارك دمشق في القمّة العربية الدورية في آذار، وستكون حليفتها بغداد مقرّ القمّة، ما يمنح النظام رصيداً يحتاج إليه.

وفي هذا الوقت، يُمسك الروس برئاسة مجلس الأمن، فيما تتولّى إيران إشغال العالم والخليج بمخاطر قطع إمدادات النفط عبر مضيق هرمز. وهذا ما يذكّر بتهديد الرئيس الأسد بأنّ المضيق سيُقفل إذا تعرّضت سوريا لتدخّل أجنبي. وهذا ما يبقي تدخّل مجلس الأمن معلّقاً حتى إشعار آخر، فيما مناطق الحظر الجوّي موضع دراسة في العديد من العواصم الأوروبّية.

العقارب لن تعود إلى الوراء

بناءً على هذه المعطيات، يمكن القول إنّ وضع النظام في سوريا هو اليوم أفضل ممّا كان عليه في نهايات العام 2011. وفي عبارة أكثر وضوحاً، إنّ النظام ربحَ الجولة الحاليّة من الصراع، وعلى خصومه الاعتراف بذلك. لكنّ الحرب طويلة في سوريا على الأرجح. طويلة قبل إسقاط النظام وبعده. ولا يمكن أن تسمح الظروف بعودة عقارب الساعة الى الوراء، أي إلى المرحلة التي كان فيها النظام يمسك بكامل قبضته على سوريا. لكنّ العبور الى المرحلة الجديدة مليء بالمصاعب والمواجهات… وكثير من الدماء.

فهل يدرك المجتمع الدوليّ أنّ الأثمان التي ستُدفع لتعطيل آلة الدم والدمار في سوريا، ستزداد مع كلّ يوم من التأخير في الحسم، وقد لا يكون ممكناً تحديد حجمها وأبعادها في ما بعد؟
 

السابق
حداد: الوقت لن يطول قبل أن ينتفض اللبنانيون على قيود الاستقطاب المذهبي والطائفي،
التالي
على أميركا التواصل مع حزب الله وتسهيل عملية انتقاله