السوريون ماضون الى النصر والحرية

يطوي إخوتنا السوريون سنة 2011 بإنجازات يكاد لا يلحظها الكثيرون وسط هذه المجازر اليومية، التي يقترفها النظام، ضد جموعهم الثائرة. فقد وطدوا العزم على نيل الحرية، وانتزاع سورية من أيدي مغتصبيها الذين جعلوها مزرعة للتوريث والفساد والاستبداد، وسينقلونها في العام 2012 من حال الصمت الرهيب والموت والخوف والاستسلام للمقادير، الى حال العز والديمقراطية والمباهاة بالوطن!

أولى هذه الانجازات، التفكيك الفعلي، لمنظومة المخدوعين في معسكر الوهم الذي يسمونه الممانعة، وتحوّل العلاقة بين أي طرف عربي وهذه المنظومة، الى كابوس يتوخى صاحبه أن يُشفى منه. فمن «يخلع» مبكراً، من تحالفه مع نظام يتخذ من القتل الجماعي للناس، خياراً وجودياً وركيزة وحيدة؛ سيحفظ لنفسه بعض ماء الوجه وبعض ترياق الحياة. فمنذ بدايات الثورة، وبعد مجازر درعا وسائر حوران، ابتلع النظام لسانه على الفور، وانكفأت لغته التي حاول من خلالها التظاهر بالتماهي مع ثورات الربيع العربي التي طالبت بالديمقراطية، فانقلب على هذه الثورات، بعد أن أحس أنها فأل شؤم، وأكال هو والتابعون له، الاتهامات للشعوب، بالسذاجة والوقوع في أفخاخ المؤامرات الأميركية. وعندما غرق هذا النظام في دم السوريين في حماة ودير الزور وحمص، انتفت لدى رأسه ورئيسه، القدرة على القهقهة العلنية عبر شاشات التلفزة، تعبيراً عن الثقة العالية بالنفس، وضُربت صدقية القول الرسمي المتكرر، بأن سورية هي غير سواها، وأنها في منأى عن الحراك الشعبي الحقيقي العارم، لأنها جد «ممانعة».

فلم يتراجع السوريون الذين كسروا حاجز الخوف في العام 2011 فوجد النظام نفسه مندفعاً بغريزته الطبيعية، الى مفاقمة وسائله، من خلال الزج بالمزيد من الدبابات والراجمات والمروحيات، الى المدن، وإطلاق قطعان الشبيحة ونشر القناصة وزبانية الأمن، لكي يعتقلوا الناشطين ويعذبوهم حتى الموت. وكلما كبرت جرائمه وتضخمت، كانت أكاذيبه، فإنها تتحول الى ثرثرات سمجة أمام مناصريه وأعدائه على السواء. يُرثي أصدقاؤه لحاله وللمنطق الذي يتحدث به، كلما أنكر وجود شعب يرفض الاستبداد، ويطلب الحرية وينتفض. ولبؤس خطابه وطروحاته، أصر النظام على اختزال الوضع بحكاية وجود عصابات مسلحة، تنحصر فيها الأزمة. وهو في ذلك يعتمد أسلوباً مفضوحاً يائساً، إذ يحاول خلط الأوراق والزج بمجموعات تتمثل وضعية العصابات التي تقتل، لكي يعزز ادعاءه بأن الأزمة أزمة عصابات تنفذ مؤامرة.

ومع اقتراف مجازر جبل الزاوية الأخيرة، واستمرار القتل في حمص وحماة ودير الزور وريف دمشق وحوران؛ أحس بأن الحلقة تضيق عليه، وأنه استنفد كل الوسائل، فتنازل عن غروره ووقع بروتوكول جامعة الدول العربية، وعاد ليسميها جامعة عربية وسحب تسميتها بـ «الجامعة العبرية» وألمح الى ما يُضمره، بلسان وليد المعلم: سنبلغ مجموعات المراقبة عن المناطق غير الآمنة، فإن أصروا على الذهاب اليها، فإن ذلك سيكون على مسؤوليتهم. وبات واضحاً، أن نظاماً بهذه القدرة على اقتراف الجرائم، سيعمل على فرز مجموعات من الشبيحة والأمن، لكي تتمثل دور عصابات تتعرض للمراقبين العرب، وربما تستهدفهم، لكي يؤيد العرب مزاعمه بأن المشكلة تنحصر في وجود عصابات.

غير أن هذه الوسيلة، ستكون خاتمة دسائس النظام وتدابيره الخبيثة والدامية. فالسوريون ماضون في ثورتهم، ويزدادون إصراراً على النصر، وقد تأسست لهم في هذه المحنة، سوسيولوجيا كاملة، ذات منظومة مقتدرة، للتكيف مع المصاعب، وصار لهم فنانون وخطاطون ورسامون وزجالون ومشاف صغيرة آمنة للجرحى، وبدت شعاراتهم تعكس مدى إصرارهم وتنبههم لأخاديع السياسة، وليس ثمة أعراض للوهن أو لياس الغريق الذي يتعلق بأي أمل فيهجع لكي ينجو. هذه الوضعية، هي من إنجازات ثورة شعبنا العربي السوري، وهي البرهان الأكيد، على أن هذه الثورة، سوف تنتزع سورية من براثن الطغاة، وتنقلها من حال مزرعة التوريث والفساد والاستبداد الخانق، الى حال العز والديمقراطية والآمال الكثيرة. سيسقط النظام في العام 2012 وسيطوي السوريون أحزانهم وسيعرف الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون!  

السابق
تباً لك
التالي
ساركوزي يقاوم رغبة العسكريين بسحب الوحدة الفرنسية من اليونيفيل