إلى التيَّار الوطني: اعرف حدودك

مرة أخرى، يتعرض اللبنانيون، لنوبة إصلاح وتجربة تغيير، ويصابون بالخيبة. لا قدرة لأي فريق أو تيار أو حزب أو طائفة أو نخبة، على إحداث أي تعديل بسيط في الديكور الطوائفي.

ليس تشكيكاً بنيّات كتل نيابية راهنة، حملت عنوان التغيير والإصلاح، أو الإصلاح والتغيير. وليس طعناً بتجارب إصلاحية، أقدم عليها عدد من رؤساء الجمهوريات والحكومات في بدايات عهودهم. ليس تقزيما لبرنامج الحركة الوطنية اللبنانية عام 1975، والذي قتل وهزم وانزوى مضرجاً بدمه، ولا يريد أحد من آبائه أو أبنائه ان يتذكره أو يتعرف عليه. لقد انتهت التجارب الإصلاحية في معظم العهود، إلى حلبة تصفيات وانتقامات وأحقاد، نجا منها الأزلام، وسقط الأخصام.
تجربة التيار العوني مع التغيير والإصلاح، حتى الآن، لا تبشر إلا بالمراوحة والمرارة. بعد اشتراكه بحكومتين، وبعد تبوّئه في الحكومة الراهنة موقع النفوذ القوي، وبعد «انتصار» تحالفه وإسقاط حكومة سعد الحريري «العاجزة»، وبعد تسلم وزرائه وزارات حساسة بحاجة إلى نسف وتغيير وإصلاح، بعد كل ذلك، لا تزال سلة «التيار» فارغة. إلا من تهديد ووعيد و… ثم «الحق على غيرنا».

ليس في قدرة أي تيار أو نخبة أو حزب، مهما صدقت نيّاته، ان ينال حصة يسيرة من الإصلاح، طالما أنه لا يزال يسبح في بحر طائفي. وطالما ان المشكو من أدائه أو فساده، يفيض له بحره الطائفي، بأسماك مذهبة. كل محاولة إصلاح، من فريق «علماني» ربما، قولا ربما، ولكن جمهوره ينتسب إلى طائفة ما، تعتبر اعتداء سافراً من طائفة على أخرى.لذلك، متى يعرف وزراء التيار حدودهم ويقفون عندها؟ انهم غير قادرين على الاصلاح، ولو كانت رغباتهم ناجعة، وإراداتهم صافية، ويعملون إصلاحاً لوجه البلد لا غير… التيار فريق محسوب على طائفة، ويتحرك في مناخ طائفة، ولا يعفيه ان يقول انه غير طائفي. كما ان «حزب الله» الذي يعوم في بحر من الطائفة الشيعية، لا يستطيع ان يقنع المسلم السني او المسيحي، انه ليس طائفياً.

الجميع طائفي… وعلى كل فريق، وفق عقيدة النظام الطائفي، ان يعرف حدوده. حدودك، الاصلاح في ما أنت منتدب نفسك عنهم. حدود وزير الطاقة والمياه تقف عند الزهراني. وعليه، فعندما قرر أحد فروع التيار الشيعي ان يقطع التيار الكهربائي، ويقطع رجل كل من يمس نفوذ ومصالح أصحاب النفوذ، ارتد الوزير إلى قواعده، ليبحث عن مخرج له، كي لا يفرط التحالف الهش، بين أضداد القضايا وأضداد المذاهب والطوائف.
لقد أقام الدنيا ولم يقعدها «التيار»، وكاد أن يطيح بتوازنات «أمنية» بسبب «الطابق الثاني» في وزارة الاتصالات في مبنى العدلية. علماً ان الضرر الناتج عن قطع الكهرباء، «فاجعة»، كما قال الوزير جبران باسيل، فيما أسلاك «الطابق الثاني» وأبوابه كانت «فاجعة مضادة»، لأنها أعطيت حجما أكبر مما تستحق. فتحرير «الطابق الثاني»، ليس سقوط الباستيل.

الباستيل، كان في مكان آخر، ولا يزال. ولا بد من شرح:
حدود السلطة والحكومة والإدارة، تقف عند تخوم الشوف وبعض عاليه. ولا يستطيع وزير ان يحرر توقيعاً يخص هذه الدويلة، إلا بعد موافقة صاحب الشأن وزعيم النفوذ. حدود الوزارات كلها، تقف عند حدود الجنوب، فله «حزبه» و«أمله» وما تفرع عنهما من حلفاء وصناديق وبلديات. وسلطة الدولة تقف أيضاً عند حدود زغرتا، وبشري، وزحلة، وبعلبك الهرمل وعكار.

ان تكون وزيراً ناجحاً، هو أن تكون وزير سلساً في تنفيذ رغبات الدويلات.
متى يفهم «التيار» ان هذا البلد، غير قابل للإصلاح أبداً بحكم نظامه الطائفي. هذا بلد قابل فقط للمحاصصة. فخذ حصتك وامشِ.
لستم أهل إصلاح. العلة ليست في النيات والبرامج، بل في الأدوات. جسمكم ليس إصلاحياً لاعتواره الطائفي.  

السابق
الانباء: عاصفة تصويت وزراء حزب الله ضد عون زعزعت صفوف الأكثرية والـotv تتحدث عن حلف خماسي بوجه الوطني الحر!
التالي
البناء: معلومات لخاص: خبراء غربيّون يديرون معسكراً في عرسال.. وآخر في جنوب تركيا