المخاض عربي والمولود أردوغاني!

 التحدي الأساسي الذي يواجه التيار الإسلامي بزعامة «الإخوان المسلمين»، والذي فاز بأكثرية المقاعد البرلمانية في كلٍ من مصر، المغرب، تونس، وقريباً ربما في ليبيا وسورية، تكمن في قدرته أولاً على تجنب استخدام الدين في الخلاف السياسي. وهنا، يحضرني القول المأثور للشيخ محمد متولي الشعراوي «إنني سوف أسعد للغاية إذا وصل الدين الصحيح إلى السياسة، لكنني سوف أشعر بالقلق العظيم إذا وصلت السياسة الى رجال الدين». وثانياً المزاوجة بين الإسلام كدين والحداثة على مختلف مشاربها، كما فعل سابقاً حزب «التنمية والعدالة» التركي بقيادة رجب طيب أردوغان، والذي وصل إلى ما وصل إليه بعد تجارب جمّة، لم يعرفها التيار الإسلامي العربي، ذلك أنّ التجربة التركية بدأت بواكيرها منذ ما يقارب الخمسين عاماً، أثرّ إنشاء «جبهة الشرق الاعظم» برئاسة نسيب فاضل، وتبلورّت بعدها على يد نجم الدين أربكان وحزب «الرفاة» الذي تأسس على مفهوم النظام العادل، إلى أنّ استوت التجربة من خلال «العدالة والتنمية»، بقيادة أردوغان.
المفارقة أنّ الإسلام السياسي التركي، على عكس توأمه الإسلام السياسي العربي، ترعرع في بيئة علمانية خالصة، وكأنّه لم يكن له من مفر، إلاّ
أن يتكيف مع أجوائها، وإلاّ لما وصل الى ما صل إلــيه!
تصريحات مسؤولي أحزاب «الإخوان» العربية، والملفتّ أنّ اسم حزبهم مشابه لاسم الحزب التركي، تؤكد حرصهم على الأصول الديموقراطية، والاعتراف بالآخر، واحترامهم لحرية الرأي والمعتقد، وكأنّهم بذلك يؤكدون مقولة العاهل الأردني الراحل الملك حسين: علينّا أن نتقدم إلى الإسلام لا أن نرجع إليه! أضف الى ذلك، أنّهم أضحوا محط أنظار العالم بمؤسساته المتنوعة السياسية والفكرية، وبالتالي، فإنّ أي تغاضٍ للقيم المشار إليها أعلاه، سوف يعرضهم لضغوطٍ شتى هم في غنى عنها.
كان من المرجح فوز التيار الإسلامي، لأنّ الفضاء العام في العالم العربي أضحى فضاءً إسلامياً لأسبابٍ عديدة نوردها بإيجاز منعاً للإطالة: فشل النظام العربي القومي/ الاشتراكي، القمع، الفساد، وغير ذلك. لكنّ فوزهم لا يمكن إرجاعه الى أسبابٍ داخلية بحتة. فالثابت أنّ هنالك «رغبة» عالمية (أميركية / أوروبية) لتعميم الإسلام الأردوغاني في العالم العربي. وصل الإسلام السياسي العربي (أو «الإخوان المسلمون») إلى الحكم بأكثرية شعبية، ومن المتوقع أن يرتكز حكمهم على مسلّماتٍ ثلاث:
• مواجهة، أو لنقل معارضة السياسة الإيرانية التوسعية.
• احترام المعاهدات مع إسرائيل (مصر، خصوصاً…).
• اعطاء الأفضلية وتعزيز المصالح الاقتصادية مع الغرب. والسؤال الذي يطرح نفسه: هل يلفح الهواء الأردوغاني منطقة الخليج؟!
تساءل صديق أمامي عن تلك الفوضى التي تعمّ المتغيرات في العالم العربي. أجبته قائلاً: هل سمعت بأمٍ تلد من دون ألم وصراخ. إنّه المخاض الذي يسبق الولادة. أما المولود، فلعلّ قدره أن يكون… شبيه رجب طيب أردوغان. 

السابق
لا كرامة لمفكر عربي في وطنه
التالي
هل يتفكك الهلال الشيعي قبل اكتماله؟