الإسلامات السياسية

قد يكون صحيحاً أن الإسلام السياسي ليس إسلاماً واحداً، بل إسلامات سياسية. وقد يكون صحيحاً أيضاً أن السلفية الإسلامية ليست واحدة، بل سلفيّات، منها التبشيري، ومنها الإخواني، ومنها الجهادي التكفيري الوهابي…
ولكنْ ما هو صحيح أيضاً، هو أن أكثر من تيار أصولي سلفي، وجهادي، يقاتل جنباً إلى جنب مع الأميركيين في أكثر من معركة في هذا «الزمن الربيعي» العربي. وقد يقال إنه تقاطع مصالح من باب المصادفات ليس إلا، وبالتالي يكون المشهد في هذه الحالة مجرّد «تفصيل»، بينما «الأساس» يبقى القتال ضد «الغرب الصليبي» المتمثل بأميركا وأوروبا والحلف الأطلسي.
ولكنّ التاريخ يعلّمنا أن تقاطع المصالح بين القوى لا يأتي من لا شيء أو من الصدفة العابرة. وعندما تكون التيارات الجهادية، أو بعضها في أقلّ التقديرات، على صلات جيّدة بأنظمة عربية صديقة لأميركا تحضنها وتموّلها، من فوق الطاولة أو من تحتها، تكثر عندئذٍ التساؤلات حول حقيقة الأدوار التي تلعبها هذه التيارات.

فحتى اللحظة، لم تذهب «معركة» الربيع العربي تحت شعار الحرية والديمقراطية طبعاً، من ليبيا إلى مصر واليمن وسورية، إلا في اتجاه واحد: التيارات الجهادية تقاتل جنباً إلى جنب مع القوات الأطلسية لإسقاط النظام. وإذا كان هذا المشهد «التفصيلي» يتكرر في أكثر من ساحة، فأين يكون «الأساس»، أي مقاتلة «الغرب الصليبي» ومتى يكون ذلك؟ وهل يبقى وقت ومكان لهذه المواجهة «الأساسية» بعد أن تكون القوات الأطلسية قد حرقت الأخضر واليابس، من مغرب العالم العربي إلى مشرقه؟
في ليبيا، كانت المجموعات السلفية الجهادية من ضمن «ثوار» المجلس الانتقالي المدعوم بالمال والسلاح من واشنطن والحلف الأطلسي. وفي اليمن، تقاتل قوات الرئيس علي عبدالله صالح النظامية مجموعات القاعدة المنتشرة في جنوب اليمن بينما الغرب يعلن تأييده لمعارضي صالح. ولا نشكّك هنا بالمعارضة الشعبية السلمية في اليمن بل بنوايا واشنطن الحقيقية تجاه الشعب اليمني والدولة اليمنية. وفي مصر، انتصر الإخوان المسلمون والسلفيون في الانتخابات العامة، في ظلّ ترحيب أميركي بانتصار الديمقراطية على لسان الشيخ أوباما. وفي الأردن بدأ السلفيون بحمل السيوف والخناجر في تظاهراتهم «السلمية« هاتفين بعودة دولة الخلافة، وبإسقاط النظام. وفي اليوم التالي، يدعو الملك الأردني عبدالله الثاني الرئيس السوري بشار الأسد إلى التنحّي، كمن يريد أن يصرف الأنظار عمّا يجري داخل بيته بالثرثرة والنميمة على الجيران، أو كمن يريد بالأحرى أن يقنع أصدقاءه الأميركيين بعدم التخلّي عنه. وفي سورية، تخوض المجموعات السلفية الجهادية المتعددة الجنسيات واللغات حرباً دموية ضد الشعب السوري بدعم أميركي مفتوح، ويدعو «الجهاديون» الحلف الأطلسي للتدخل العسكري لمصلحتهم وإقامة مناطق عازلة على الأرض السورية تتيح لهم التحرك بحرية ضد القوات السورية.
أمام هذه الوقائع «الجهادية» النافرة إيديولوجياً وسياسياً، يصبح الجهاديون السلفيون، شاؤوا ذلك أم رفضوا، جزءاً من «منظومة» عرب أميركا، مثلهم أنظمة النفط والغاز. وعندما يقول مرشد «القاعدة» أيمن الظواهري «أن ما يحدث من ثورات ديمقراطية عربية هو جزء مكمّل للحرب التي تخوضها «القاعدة» في العراق وأفغانستان ضد الغرب والأنظمة المتحالفة معه»، فمعنى كلامه أن «القاعدة» منخرطة ـ كسائر الجهاديين السلفيين ـ في الأعمال المسلّحة ضد الأنظمة القائمة، في خندق واحد مع قوات الأطلسي. وهنا لا يعود مهماً إذا كان موقف السلفيين الجهاديين تكتيكياً أو استراتيجياً أو من باب «الاستثمار» في الممكن. فالعبرة الأهم هي أن السلفيّة الجهادية، بكل طواقمها الفكرية والعسكرية، تقاتل في الخندق الأميركي «الصليبي» الأطلسي ضد الذين تريد واشنطن إسقاطهم، بدءاً من ليبيا وصولاً إلى سورية.
السلفيون الجهاديون والأميركيون في خندق واحد ضد «الآخرين». إنه «التفصيل» الذي أصبح «الأساس».  

السابق
تركيا من الكتاب الأحمر إلى الدور الأحمر
التالي
من القداسة إلى الرعب والسخافة!!