ما هو المقابل للمخرج من مأزق التمويل؟

لا يزال تمويل "المحكمة الخاصة بلبنان" يستأثر باهتمام الاطراف السياسيين جراء الانعكاسات السلبية لاستمرار الخلاف حوله على الوضع الحكومي اولاً، وعلى الاستقرار السياسي وإن هشاً ثانياً، وعلى الاستقرار الامني ربما ثالثاً، فرئيس الحكومة نجيب ميقاتي يخوض وحيداً معركة التمويل المذكور على رغم ان من مؤيديه الكبار رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان والزعيم الدرزي الابرز النائب وليد جنبلاط. فالاول جهر بموافقته على التمويل من مقر الامم المتحدة، وهو يكررها من بيروت كلما سنحت له الفرصة، وكلما وجد ان الصعوبات في وجه المدافع الاول عنه ميقاتي تزايدت. لكن هذا التأييد على أهميته المعنوية الفائقة لا يمكن ان يترجم عملياً. ولعل بيت الشعر الذي يقول: فَليُسعِف النطق ان لم يُسعِف الحالُ يُعبِّر في صورة دقيقة عن استحالة الترجمة المشار اليها. فسليمان لن يقدم على الاستقالة او على التلويح بها من اجل "اقناع" رافضي التمويل بقبوله. علماً انه يجب ان لا يفعل ذلك على رغم ضرورة التمويل وأهمية المحكمة في رأي غالبية اللبنانيين، طبعاً باستثناء الذين يؤمنون بأنها تستهدفهم من دون وجه حق. وسليمان ليست له قوة نيابية مهمة يستطيع بواسطتها قلب الاكثرية النيابية المعنية وتالياً "اقناع" الرافضين بالقبول. فضلاً عن ان طبعه يفرض عليه تجنب المشكلات والاشكالات ومحاولة حل الخلافات بالحوار او بالتي هي احسن، وإن كانت على حساب اقتناعاته احياناً.

أما جنبلاط فان احداً لا يشكك في رغبته الصادقة في تمويل "المحكمة". لكن وضعه الدقيق بوصفه الوحيد القادر حالياً على عودة الاكثرية اقلية، اي كما كانت بعد الانتخابات النيابية الاخيرة، وبوصفه المسؤول الوحيد عن سلامة "الشعب" الذي يمثِّل وعن سلامته ومعهما الاستقرار الامني، لا يمكنه من الاقدام على ترجيح كفة التمويل في "معركة كسر عظم" كما يقال، لأنه قد يدفع ثمناً مزدوجاً: واحد شخصياً وآخر درزياً. ولذلك فإنه يتمنى ربما ان يُحسم موضوع التمويل في مجلس الوزراء بالتفاهم، او في مجلس النواب وبالتفاهم ايضاً، كي لا يضطر الى مواقف اما مُحرِجة له او مُهلِكة.هل وصل الاهتمام المذكور اعلاه بتمويل "المحكمة" الى نهاية ايجابية؟
العارفون كانوا دائماً مقتنعين بأن موافقة ما على التمويل سيحصل عليها رئيس الحكومة نجيب ميقاتي وآخرون في نهاية "الكباش" الدائر حول هذا الموضوع بينه وبين حلفائه اولاً اي "حزب الله" و8 آذار عموماً وسوريا واستطراداً ايران، وبين هؤلاء وفريق 14 آذار. وهم لا يزالون على اقتناعهم على رغم المواقف العلنية والرسمية السلبية لـ"الحزب" من هذا الموضوع. والمعلومات التي في حوزتهم اشارت قبل ايام قليلة الى مخرج من مأزق التمويل في مجلس النواب يعمل عليه رئيسه نبيه بري. والمعلومات التي حصلوا عليها يوم امس اشارت الى مخرج آخر يقضي بأن يعطي مجلس الوزراء سلفة خزينة بقيمة الحصة التي يفترض ان يدفعها لبنان لـ"المحكمة" الى "الهيئة العليا للاغاثة"، على ان يتم تحويلها لاحقاً بمرسوم يوقِّعه كل المعنيين الى "المحكمة". وبمخرج كهذا لا تتعرض الاكثرية في البرلمان الى امتحان يهدد وحدتها بل وضعها الاكثري، ولا تتعرض علاقة "حزب الله" بوليد جنبلاط لمشكلة، ولا يتعرض الاخير لإحراج وتبقى الحكومة التي يصر فريق 8 آذار بأعضائه المحليين وراعِييْه الاقليميين على بقائها لاسباب متنوعة كثيرة. طبعاً لا يمكن الجزم بأن مخارج اخرى من مأزق التمويل لن تُطرح. كما لا يمكن الجزم بأن التمويل صار ثابتاً ونهائياً. لكن السؤالين اللذين يطرحان هنا في حال تحوّله ثابتاً ونهائياً هو: ما هو المقابل الذي سيناله في هذه الحال الفريق الموالي وتحديداً "حزب الله" و"التيار الوطني الحر"؟ ومتى يُنفَّذ التمويل.

الجواب عن الاول ليس معقَّداً، فـ"حزب الله" قد يحصل لاحقاً ربما على موافقة لبنانية رسمية وربما عبر مجلس الوزراء على البحث مع الامين العام للامم المتحدة في تعديل "بروتوكول المحكمة" لـ"عدم دستوريته وميثاقيته"، وعلى اعتبار المحكمة غير موجودة بالنسبة الى لبنان في حال رُفض هذا الطلب. و"التيار الوطني الحر" قد يحظى بعدد من التعيينات المسيحية المهمة في الادارة والقضاء. والاثنان مجتمعان قد يحصلان على امور اخرى مثل إقالات موظفين معنيين لاحالة ملف شهود الزور على المجلس العدلي وأمور اخرى. والجواب عن الثاني قدمه ميقاتي ظهر أمس بإعلانه تحويل حصة لبنان من التمويل الى "المحكمة"، لكن وفقاً لأي مخرج؟  

السابق
الحسيني: في آخر أيام السكوكع
التالي
لهذه الأسباب موّل ميقاتي المحكمة