عودة جنبلاط من بوّابة المستقبل

ذات يوم قرّر زعيم الجبل النائب وليد جنبلاط، وبعد سنوات من النضال المشترك، مغادرة قوى 14 آذار، واضعاً حينها مصلحة البلد بالدرجة الأولى، بعدما لمس خطورة تلك المرحلة التي كادت تأخذ البلد نحو صراعات مذهبية جرّاء انقلاب فريق داخليّ ضدّ أبناء وطنه.

انكفاء جنبلاط عن أرض "الأحداث" يومها كان هدفه حماية البلد أوّلاً وحماية طائفته من شرك "جغرافيّ" يُنصَب لها بالدرجة الأولى، وللبنانيّين المناهضين لمشروع ذلك الفريق بالدرجة الثانية، لكن وللمرّة الأولى في تاريخها لم ترحّب الطائفة الدرزيّة بخطوة زعيمها، إذ وصل الأمر ببعضها، إنْ لم يكن بمعظمها، الى حدّ إعلان العصيان السياسيّ ضدّه، وهو ما انسحب أيضاً على مجموعات وقياديّين داخل الحزب التقدّمي الاشتراكي، ليصبح الجدل بين أقلّية مؤيّدة لمواقف جنبلاط المستجدّة آنذاك وبين أكثرية رافضة لها سُمّيت" بالاشتراكيّة الحريريّة.

اليوم، وبُخطى مدروسة، يعود جنبلاط الى ثوابت سبقَ وأدار لها ظهره للأسباب الآنفة الذكر، أي المحكمة الدوليّة الخاصة بلبنان، ومن باب "المستقبل" الذي سيفتح بدوره نافذته ليطلّ من خلالها الزعيم الاشتراكي على بقيّة القوى المنضوية تحت شعار الحرّية والسيادة كمرحلة أوّلية تهدف لاحقاً الى بناء جسور متينة وإعادة وصل ما سبق وانقطع بينه وبينها.

اللقاءات الثنائية التي تعقد هذه الأيّام بين الاشتراكي و"المستقبل" تسير على قدم وساق وعلى أعلى المستويات وبمباركة الرئيس سعد الحريري وجنبلاط، في ظلّ ما يُحكى عن لقاءات سرّية متعدّدة جمعت بين الرجلين في الخارج، هدفها تمتين الساحة الداخليّة وتحييد لبنان عن مخاطر العقوبات الدوليّة، والنأي به عن ما قد تؤول اليه الأحداث في سوريا، من دون إغفال أحقّية الشعوب في تقرير مصيرها والعيش بحرّية وكرامة.

معظم اللبنانيّين شعروا بحنين جنبلاط الى حلفائه في "14 آذار" من خلال الكلمة التي ألقاها في الجمعيّة العامّة للحزب الاشتراكي في عاليه، والتي قال فيها: "فليعذروني، لقد قالوا عن المتّهمين الأربعة إنّهم قدّيسون، وأنا أقول لهم إنّ دماء شهدائنا بدءاً من الشهيد الحيّ النائب مروان حمادة، وصولاً الى النائب أنطوان غانم، هي أيضاً مقدّسة بالنسبة إلينا".

جنبلاط، وخلال كلمته تلك، أكّد تموضعه الجديد، سيّما وأنّ الجميع يعلم الجهة التي ينتمي اليها الشهيد الحيّ حمادة والشهيد غانم، وخير دليل تلك اللقاءات المتكرّرة بينه وبين النوّاب الذين سبق أن انسحبوا من كتلته النيابية لإعادة إحياء ما كان يُسمّى "اللقاء الديموقراطي".
. إذاً هي نقلة جنبلاطيّة نوعيّة بامتياز، من شأنها أن تطيح بأكثريّة مستجدّة لم تهنَأ بعد بأكثريتها، أو بالأحرى لم تنفّذ شيئاً ممّا سبق وخطّطت له قبيل انقلابها الشهير، لكنّ الاسئلة الأبرز تبقى النتيجة التي ستفضي اليها هذه اللقاءات بين "المستقبل" و"الاشتراكي"، ومدى انسحابها على بقيّة الأطراف في 14 آذار، وما إذا كانت ستؤثّر على علاقة الاشتراكي بـ"حزب الله"؟

يبدو أنّ أولى "ثمار" هذا "الانسجام" في العلاقة سيكون إسقاط النظام النسبيّ من قانون الانتخاب، والسعي إلى تمرير تمويل المحكمة الدوليّة عبر المجلس النيابيّ بحال لم تموّلها الحكومة، ولكن هل يشارك زعيم المختارة قوى المعارضة في إسقاط حكومة ميقاتي فيما لو سعت الى ذلك عبر طرح الثقة بها؟

وزير المهجّرين وعضو جبهة النضال الوطني النائب أكرم شهيّب، وفي حديث لـ"الجمهورية"، قال: "نحن نتحرّك من خلال موقفنا الوسطيّ مع كلّ القوى على الساحة الوطنية، وهذا واجب وضروريّ في ظلّ الوضع السياسيّ الراهن من أجل خير الجميع".

وأوضح أنّ "اللقاءات التي عقدناها، والتي سوف نعقدها، هي مع أحزاب سياسيّة فاعلة معنيّة ببناء لبنان واستقراره، وليس على صعيد 8 و14 أذار"، كاشفاً أنّ "لقاءات قريبة سوف تعقد مع "القوّات اللبنانية" و"الكتائب" و"التيّار الوطنيّ الحر" و"الأحرار" وغيرها".

وعن موضوع تمويل المحكمة، رأى أنّ هذا الملفّ أساسيّ ووطنيّ بامتياز، ورفضه يؤثّر على مسار الحكومة وعلى المسار العام في البلد، خصوصا بعد الانقسام العاموديّ الذي حصل حوله في لبنان"، مضيفاً: نحن كجبهة نضال وطنيّ أكّدنا ونؤكّد أهمّية تمويل المحكمة من أجل العدالة وموقع لبنان العربيّ والدولي، لاسيّما أنّ موضوع المحكمة والتمويل ورد في البيانات الوزاريّة السابقة كلّها".

وعن موقع جنبلاط المستقبليّ، قال شهيّب: "هو في المختارة ولبنان وفي العالم العربي، يجمع ويوحّد من أجل ضمانة العيش الواحد في الوطن".

أمّا عضو كتلة "المستقبل" النائب أحمد فتفت فأوضح في حديث لـ"الجمهورية" أنّ كلّ لقاء بين "تيّار المستقبل" وبين "الحزب التقدّمي الاشتراكي" له طابعه الخاص، وكشف أنّ اللقاء الأخير مع النائب جنبلاط دار خلاله النقاش عن الجوانب السياسيّة والمرحلة التي تمرّ بها المنطقة، بالإضافة الى موضوع قانون النسبيّة"، لافتًا الى "أنّ هناك لجنة مشتركة بين الطرفين تعمل على دراسة الموضوع وتقريب وجهات النظر على كافّة الصعُد".

وعن احتمال عقد مثل هكذا لقاءات بين الاشتراكي وبين بقيّة الأفرقاء في 14 آذار، قال فتفت: "إنّ هذا الأمر يعود للأفرقاء أنفسهم، عِلماً أنّ لا شئ يمنع من عقدها"، مضيفاً أنّ "العلاقة بين جنبلاط وبين الرئيس أمين الجميّل جيّدة جدّاً، وكذلك رأينا رسائل إيجابيّة من خلال مواقف جنبلاط تجاه بقيّة الأفرقاء".

أمّا بخصوص المحكمة الدوليّة، فأكّد أنّ هناك توافقاً تامّاً بيننا على تمويلها، حتى إنّ لجنبلاط مواقف أكثر منّا تدعو الى التمويل، وهو الأمر الذي سمعناه من وزرائه خلال الأيّام الماضية".

هذا وذكّر فتفت بأنّ موقع وليد جنبلاط الوطني والعروبي معروف، كما أنّ مسؤوليّاته الوطنية تجاه الجبل لها خصوصيّة و"نحن نقدّر هذا الأمر، وهو وحده يقرّر أين سيكون موقعه في المستقبل" 

السابق
لا مفر.. من اللون الواحد؟!
التالي
قال رئيس الحكومة بدو يستقيل