اللواء: ميقاتي لحزب الله: حماية المقاومة بتمويل المحكمة

بتوقيت في محله· اختار الرئيس نجيب ميقاتي، التلفزيون لشن هجوم استباقي على خصومه في المعارضة، قبل أيام معدودات من مهرجان طرابلس الذي بدا حاضراً في كلامه بقوة وبانفعال، لا سيما عندما بلغه نبأ أن رصاصاً راح يلعلع في سماء المدينة عندما أعلن أنه لن يبقى رئيساً للحكومة إذا لم تموّل المحكمة الخاصة بلبنان، بتأكيده <أننا نقاتل من طرابلس ونقاتل من أجل طرابلس>· ودق جرس الانذار ليسمع حلفاؤه أن موقفه من تمويل المحكمة والتزامه بالقرارات الدولية، هو لمصلحة لبنان وليس تهديداً، قبل أقل من أسبوع بيوم من جلسة الأربعاء 30 تشرين الثاني، وهي آخر يوم في المهلة المحددة التي طلبها من رئيس قلم المحكمة الخاصة بلبنان عندما التقاه الرئيس ميقاتي في 5 أيلول الماضي للبتّ ببند دفع حصة لبنان المستحقة للمحكمة والمقدرة بـ 49 في المائة، أي ما مجموعه عن العام 2010 ثلاثة وخمسون مليون دولار·
وموقف ميقاتي هو رسالة مباشرة للأمم المتحدة والدول الأعضاء الكبرى في مجلس الأمن، وللعرب، أن الرئيس ميقاتي متمسك بالتعهدات التي أبلغها لهذه الأطراف الدولية والعربية، في لحظة زمنية مثقلة بالتحديات التي اقتربت من مصالح لبنان الحيوية في المال والحدود والنفط والأمن والاستقرار·

وبقدر ما بدت مقابلة رئيس الحكومة مطالعة حكومية حادة في وجه مهرجان طرابلس الذي ينظمه تيار المستقبل وقوى 14 آذار في عاصمة الشمال بعد غد الأحد، جاءت لتبلغ <حزب الله> بالدرجة الأولى أن تلويحه بالاستقالة ليس من باب المناورة ولا الضغط ولا التهديد ولا الهروب، بل هو قرار مأخوذ <لأنني أعتقد أنه بالاستقالة أحمي لبنان>، مضيفاً <أنا لا أقبل في عهدي أن يقال أن لبنان نكل بالتزاماته··
 المقياس عندي المصلحة اللبنانية، فلبنان القوي بحكومته واستقراره قوة للمقاومة>·

والسؤال الذي يفرض نفسه للمتابعة والنقاش على مدى الأسبوع الطالع، هو: هل أن لبنان اقترب من حافة الهاوية؟ أم أن الحكمة ستتحرك في الوقت المناسب للحؤول دون بلوغ دائرة الخطر في منطقة كل شيء فيها يغلي ويتبدل ويتحول؟

المراقبون لاحظوا أن الرئيس ميقاتي لم يقفل الباب على أزمة مديدة تنتظر البلد، فاقترح سلفاً مخرجين:

1- الرهان على حكمة الرئيس نبيه بري، حيث لم يخف رئيس الحكومة اتكاله على <حكمته في كل الأمور>·

2- تحريض ثلاثة أو أربعة وزراء على الأقل للعب دور <الوزير الملك> لإنقاذ الموقف، لئلا يأتي التصويت ضد تمويل المحكمة ويخرج الرئيس ميقاتي معلناً استقالة الحكومة أو اعتكافه أو استقالة الوزراء المحسوبين عليه·

وباختيار الرئيس ميقاتي طرح المسألة على النقاش قبل مجلس الوزراء يكون قد رفض شرب الكأس المرّة، ودفع <حزب الله> والفريق الشيعي تحديداً لتحمّل مسؤولياته الوطنية، بإبعاد الفتنة السنية – الشيعية عن الساحة، والحفاظ على الاستقرار الذي يشكل عضد المقاومة في مواجهة المتغيرات الحاصلة وبالتالي البحث المشترك عن مخارج تسقط مسألة الديموقراطية داخل مجلس الوزراء، باعتبار أن المحكمة مسألة وطنية ميثاقية لا تحل على مستوى التصويت، بل بالتوافق·

ومن أجل ذلك، حرص الرئيس ميقاتي، في أكثر من محطة كلام، لا سيما في ختام مقابلته على التوجه إلى السياسيين لتحكيم ضمائرهم، <إذ المهم أن يبقى لبنان>، وكذلك على الإشارة

إلى انه لا يريد من <حزب الله> تغيير موقفه المعلن من المحكمة ورفض تمويلها، بل أن يتفهم دوافعه للحفاظ على لبنان وسلمه الأهلي، مبدياً في الوقت نفسه، قناعته بعدم الوصول في نهاية المطاف إلى الاستقالة، وهو بذلك ترك الباب مفتوحاً للمعالجات، سواء بموجب سلفة خزينة بمرسوم يوقعه رئيسا الجمهورية والحكومة مع وزيري العدل والمال، أو عبر مجلس النواب، من دون ان يستثني هيئة الحوار الوطني·

اختراق وزاري وفي تقدير مصادر مطلعة، أن تخصيص ميقاتي للوزراء بالتفاتة خاصة، مطالباً اياهم بأخذ الموضوع بجدية وتحمل مسؤولياتهم، واعتبار التمويل <بوليصة تأمين لحماية لبنان>، إشارة إلى رهانه على استمالة مجموعة من الوزراء، قد لا يتجاوز عددهم الخمسة، في حال اضطر الرئيس ميشال سليمان إلى طرح الموضوع على التصويت في مجلس الوزراء، فيكسب قرار التمويل النصف زائداً واحداً أي 16 وزيراً·

اما الوزراء المرشحون للتصويت إلى جانب التمويل، فهم وزيرا الأرمن الطاشناق فريج جالونجيان وبانوس مانجيان، ووزير <تيار المردة> سليم كرم، ووزير الحزب الديمقراطي اللبناني مروان خير الدين، والوزير فيصل كرامي لاعتبارات تتعلق بطرابلس وبالموقف السني بشكل عام·

وتقول المصادر انه إذا تمكّن الرئيس ميقاتي من استمالة هؤلاء فان النتيجة ستكون لمصلحة التمويل بأكثرية 16 أو 17 صوتاً، ضد 13 هم وزراء <حزب الله> و?<التيار الوطني الحر> وحركة <امل>·

وقال مصدر واسع الاطلاع لـ?<اللواء> أن المساحة المتبقية لجلسة 30 تشرين الثاني، ستكون مخصصة لإيجاد صيغة مقبولة وتوافقية لمسألة تمويل المحكمة، من دون الوصول بها إلى التصويت، في حال التزم الوزراء الخمسة بموقف <حزب الله> أو النائب ميشال عون·

وكشف انه في حال بقي التعثر على حاله، فثمة اتجاه إلى أن تكون جلسة 30 تشرين الثاني منطلقاً للنقاش الرسمي في التمويل لا المحطة الخاتمة له، بمعنى أن رئيس الجمهورية سيطرح في الجلسة الموضوع وسيتم سماع وجهات نظر الوزراء، على ان يختم سليمان النقاش بطلب ارجاء بت الملف إلى جلسة لاحقة ضمن المهلة التي تنتهي في 15 كانون الأوّل، وبذلك تكون الحكومة قد كسبت وقتاً اضافياً يكون بمثابة مساحة مستقطعة لمزيد من النقاش قبل الحسم·

الا أن ذلك يبدو مستبعداً، نظراً لاصرار الرئيس ميقاتي على حسم الموضوع، بعد عودته من الفاتيكان التي يزورها في 28 الجاري، التزاماً منه بالقرارات الدولية، وبالعدالة <التي يجب أن لا تغيب> بحسب الشعار الذي رفع في مؤتمر <كلمة سواء> الذي انعقد أمس في الأونيسكو، مؤكداً انه لا يجوز لرئيس وزراء أن يتغاضى عن إظهار الحقيقة والعدالة لاغتيال رئيس وزراء سابق، لافتاً إلى انه سيترك النّاس تحكم عن انه حافظ على استقرار لبنان طوال تسعة اشهر، وحميت لبنان، وحميت المعارضة من نفسها، مؤكداً ان ضميره مرتاح، لكني لم اعد استطيع ان اتحمل اكثر من ذلك·

ولم يجب ميقاتي عن سؤال: ماذا يحصل للبنان اذا لم يمول المحكمة، واعاد طرح السؤال بطريقة مختلفة، وهي ماذا سيجني لبنان اذا موّل المحكمة، مضيفا انه بذلك يكون قد وفى بالتزاماته وحافظ على لعب دوره في المنطقة، ونكون قد فتحنا كل الابواب امام استمرار علاقاتنا مع الدول الغربية والمساعدات التي تأتينا، ونكون قد التزمنا بالعدالة، وهذا اساس، وهذا كله يؤمن الحفاظ على الاستقرار، والتزمنا بحماية المقاومة، مكررا قوله ان قوة لبنان من قوة المقاومة، وضعفه قد ينعكس عليها سلباً·

وقال انه ينتظر من الوزراء الحس الوطني المطلوب، مشيرا الى ان الحزب لن يغير موقفه، لكنه يقول ان هناك امكانية للحكي مع مجموعة من الوزراء·

واضاف: <ليس المهم ان ينكسر ميقاتي بل ان لا ينكسر لبنان· وانا لا اقبل في عهدي ان ينكسر لبنان الرسالة، او ان يكون دولة مارقة>، معلنا رفضه اعادة تكليفه مجددا اذا بقيت الشروط نفسها وكذلك المقومات الراهنة·

لقاء ساركوزي – الحريري وفي موازاة مواقف ميقاتي، اعتبرت اوساط مقربة من الرئيس سعد الحريري، ان توقيت زيارته الى باريس، لم تكن مجرد صدفة، وكذلك استقباله من قبل الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، كانت اشارة فرنسية جديدة على جدية الموقف الاوروبي بالنسبة لضرورة التعاون مع المحكمة الدولية، والالتزام بتمويلها، او الالتزام بالبروتوكول الموقع معها·

وربطت هذه الاوساط بين مبادرة الرئيس ساركوزي تجاه الرئيس الحريري وما تضمنته برقية التهنئة الى الرئيس سليمان بعيد الاستقلال، والذي أكد فيها على ضرورة وفاء لبنان بالتزاماته كاملة تجاه المحكمة واحترام القرارات الدولية·

وكان المكتب الاعلامي للرئيس الحريري قد اشار الى ان استقبال الرئيس ساركوزي للرئيس الحريري حصل في العاشرة من قبل ظهر امس في قصر الاليزيه، حيث جرى عرض لآخر المستجدات· وخصوصا تلك المتعلقة بتمويل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، وما تشهده الساحة الاقليمية من تطورات·

وتزامن الاستقبال، مع وصول عدد من اركان قوى 14 آذار، الى العاصمة الفرنسية للقاء الرئيس الحريري اضافة الى مسؤولين في الخارجية الفرنسية، علماً ان رئيس جبهة النضال الوطني النائب وليد جنبلاط زار العاصمة الفرنسية وانتقل الى بلجيكا، حيث عقد لقاءات مع عدد من المسؤولين قبل عودته الى بيروت عن طريق باريس· 

السابق
البناء: اجتماع القاهرة حلقة من مسلسل الضغوط الغربية المُستعربة
التالي
من فصول الوطن العربي···