أحداث مصر ودلالاتها

بدأت أحداث مصر الجارية بتظاهرة يوم الجمعة الماضي، وقد شارك فيها الإخوان المسلمون والسلفيون وحركة 6 إبريل، وبعض الأحزاب والحركات المدنية الأخرى· وما كان الإخوان شديدي الحماس وما شاركوا بكل قوتهم· أما الآخرون – بما في ذلك السلفيون – فما جمعوا ميدان التحرير على الأقل اكثر من عشرات الألوف، رغم أنهم سمّوها مليونية· إنما ليس هذا هو المهم، بل المهم اختلاف الشعارات المرفوعة، والتطور المفاجئ الذي آلت إليه الاحداث في الأيام الثلاثة التي أعقبت <مليونية> الجمعة· ففي يوم الجمعة رفع الاخوان شعار: إسقاط وثيقة علي السلمي الخاصة بالمبادئ ما فوق الدستورية أو المبادئ الأساسية الحاكمة للدستور! فقد اعتبروا أن في ذلك التفافاً على <سلطة الشعب>، أي انها تشكّل استباقاً لعمل لجنة المائة التي سوف تشكّل بعد الانتخابات لمجلسي الشعب والشورى لكتابة الدستور فالاستفتاء عليه

· ولسبب واضح هو تقدير الاخوان انهم سوف يحصلون على نسبة وازنة بل كبيرة في الانتخابات، فيستطيعون التحكم في كتابة الدستور، وتوزيع السلطات فيه· وقد خوّفوا النّاس من قبل بأن هناك مؤامرة للالتفاف على دور الاسلام في الدستور والدولة والمجتمع إن أثّر في كتابته المدنيون والعسكريون· ولأن رئاسة الجمهورية لن تكون من نصيبهم كما اعلنوا، فإن المقصود كان تقوية البرلمان وصلاحياته للتوازن مع رئاسة الجمهورية التي قدروا انها ستظل مع أحد رجالات الجيش حتى لو كان مدنياً· ولذا بحسب شعاراتهم يوم الجمعة، وقوة البرلمان المنتخب من الشعب، وقوة الإسلام في الدستور الذي سوف يكتبه ممثلو الشعب! لكن شعارات حركة 6 إبريل ويافطاتها، انصبت على إبعاد الجيش عن السياسة، وتنحية المجلس العسكري من السلطة في أمد أقصاه شهر نيسان المقبل، وتسليم السلطة لحكومة مدنية بصلاحيات قوية، لإجراء الانتخابات، وللسير في بقية خطوات المرحلة الانتقالية، وضاع السلفيون بين شعارات تطبيق الشريعة، وإبعاد العسكريين عن السلطة·

وانسحبت أكثر الحركات وأكبرها من ميدان التحرير مساء الجمعة، بينما أصر على الاعتصام المستمر بعض ذوي المطالب المسماة <فئوية> من مثل شهداء الثورة ومصابيها من أجل التعويض عليهم وتطبيبهم، وتسريع المحاكمات لأركان النظام السابق· ومنذ ليل الجمعة وعلى مدى الأيام الثلاثة اللاحقة، أصرّت قوات الشرطة والأمن المركزي على فضّ الاعتصام بالحسنى وبالقوة· وقد رد المعتصمون، والذين عادوا إلى الميدان يوم السبت على استمرار الاعتصام، واستنكروا استخدام القوة لفض جموع المحتشدين التي عادت للتزايد· ومع نقل وسائل الإعلام لصور الاشتباكات وبدء سقوط القتلى، هوجمت وزارة الداخلية بالقاهرة، كما هوجمت مراكز أمنية بالاسكندرية والسويس، وقد أعلنت 26 حركة سياسية عن نيتها التجمع بميدان التحرير يوم الثلاثاء إنما بشعارين جديدين: إسقاط حكومة عصام شرف لصالح حكومة إنقاذ وطني بصلاحيات حقيقية، وتنحي المجلس العسكري عن المشهد السياسي في أقرب وقت!·

لقد بلغ عدد القتلى ثلاثة وثلاثين إضافة لأكثر من ألف من الجرحى والمصابين· ويكاد <المدنيون> الذين سقط منهم القتلى، أن ينفردوا بالميدان وفيه، من دون الإخوان· وهكذا ظهر معنى جديد للتظاهر والاعتصام: لا يريد المدنيون الذين أطلقوا الثورة أن يتقاسم السلطة:

الجيش والإخوان· ففي الانتخابات القريبة جداً لن يحصلوا على الكثير، ويصبح الجيش وارثاً للحزب الوطني السابق المنحل، كما يصبح الإخوان هم الكفة الأخرى· ولذا فهم يريدون توسيع المساحة من طريق أخذ حصة الحزب الوطني (المدني) باعتبار أنهم هم الذين أسقطوه، فينحسر الدور السياسي للجيش بذلك لصالحهم، أو هكذا يقدرون· ثم إنهم يأملون أن يكون رئيس الجمهورية المقبل مدنياً حقيقياً وليس تابعاً للجيش· فهل ينجحون في ذلك من خلال الضغط بمليونيتهم يوم أمس؟ قد ينجحون في ذلك جزئياً إذا انتزعوا مسألة تشكيل حكومة جديدة يترأسها <مدني> قوي· إنما معنى ذلك إن تم، قد يكون تأجيل الانتخابات، وإجراء ترتيبات أخرى، مثل حرمان أتباع الحزب الوطني من الترشح من خلال قانون العزل السياسي، والإلحاح على المجلس العسكري أن يُحدّد موعداً لمغادرة السلطة· لقد عاد المشهد المصري إلى الانفتاح الثوري، ومن المؤسف أن يخالط ذلك الانفتاح عنف عنيف·
 

السابق
الموسوي: المقاومة انتصرت على CIA
التالي
النهار: الحكومة تخالف حزب الله في استدعاء كونيللي