هل يطلق سليمان وبري وميقاتي مبادرة لإنقاذ لبنان؟

إذا كان اللبنانيون بوفاقهم واتفاقهم جنّبوا بلدهم الدخول في حرب عربية – اسرائيلية في عهد الرئيس شارل حلو فنعموا بالهدوء والاستقرار والازدهار، فهل يتوافقون اليوم على تجنيبه تداعيات ما يجري في المنطقة ولا سيما في سوريا؟
الجواب عن هذا السؤال يتوقف على قوى 8 آذار وتحديداً على حلفاء سوريا في لبنان وفي طليعتهم "حزب الله" لان في يدهم قرار السلم والحرب كونهم يملكون السلاح. اما قوى 14 آذار فترى ان يدخل لبنان في الوقت الراهن مرحلة الترقب والاخطار كي يبنى الشيء على نتائج الصراع على النفوذ في المنطقة وبما تقضي به مصلحة لبنان، ذلك ان دخوله في هذا الصراع لن يغير في هذه النتائج شيئاً سوى انه يلحق بلبنان الخسائر البشرية والمادية من دون طائل.

لقد ابلغ سياسيون مستقلون ورجال مال واعمال "حزب الله" انهم لا يرون مصلحة لا للبنان ولا له في الدخول بلعبة الصراع على النفوذ في المنطقة، وهو صراع عربي واقليمي ودولي أكبر من قدرة لبنان على تغيير نتائجه، وان الحزب يكون قد أسدى خدمة كبرى للبنانيين وللبنان اذا قرر النأي به عن هذا الصراع والا دفع الحزب ولبنان الثمن غالياً، لان اي حرب جديدة ستكون مدمرة للبنان وتنتج هجرة واسعة، ولا تتحمل تركيبته الدقيقة ولا اقتصاده الهش مثل هذه الحرب، وستجعل اللبنانيين يبحثون عن وطن على ابواب الآخرين. وهذا الشعور بالخطر، جعل الرئيس نجيب ميقاتي يؤكد في حديث الى مجلة "تايم ماغازين" عندما كلف تشكيل الحكومة: "انني إذا رأيت ان ليس في استطاعتي حماية البلد فسوف اتنحى"… وبما ان في يد "حزب الله" قرار الحرب فان في يده أيضا قرار تعريض او عدم تعريض الاوضاع الاقتصادية والمالية لعقوبات دولية من خلال موقفه من تمويل المحكمة كأن يساعد على تحقيق توافق على ذلك خصوصا انه يحرج الرئيس ميقاتي ويدفعه الى الاستقالة اذا لم يكن الحزب مرنا وعاقلا في موقفه، مع الاشارة الى ان ميقاتي كان قد صرح بأن "من يعتقد انني سألغي المحكمة لان فريقا رشحني لرئاسة الحكومة، فهو يحاكمني قبل ان يرى اعمالي، وكل ما احاول القيام به هو حفظ البلاد وانقاذها".
الواقع ان قوى 8 آذار وتحديداً "حزب الله" تتحمل مسؤولية ما يصيب لبنان من تداعيات لما يجري في المنطقة ولا سيما في سوريا، وهذه القوى تسجل على نفسها وللتاريخ موقفاً وطنياً اذا ساعدت على ابقاء لبنان في منأى عما يجري خارج حدوده فتجنبه الويلات والاضرار البشرية والمادية التي لا تعوض، والا فانها تتحمل مسؤولية كبرى أمام الله والتاريخ، كما تحملها من قبل من أدخلوا لبنان في حروب عبثية دامت 15 سنة، لأن فئة من اللبنانيين ناصرت المنظمات الفلسطينية المسلحة بدافع الحماسة لتحرير ارض فلسطين، فكانت النتيجة ان خسر لبنان جزءاً من ارضه بعدوان اسرائيلي.

ان المصلحة الوطنية تفرض على الجميع فك ارتباط لبنان بالمصالح والاهواء الخارجية، والخروج نهائياً من تجربة الانجرار في محاور، وحل الخلافات بالحوار وليس بالاقتتال والدم، وجعل الاولوية لاستراتيجية حماية لبنان من تدخلات كل خارج ومن التوترات الاقليمية لتبقى الدولة اللبنانية قادرة على حماية جميع ابنائها عندما يكونون موحدين وغير قادرة على ذلك عندما يكونون منقسمين ومتقاتلين.
لقد سبق للرئيس نبيه بري أن اكد في حديث له قبل سنة رفضه "محاولة اثارة القلق من الشيعة في لبنان واعتبارهم متمردين على النظام واعتبار سلاحهم تهديداً لبقية الطوائف ولمشروع الدولة". ونظراً الى دقة المرحلة وخطورتها فان الرئيس بري قادر على ان يقوم بدور انقاذي مع رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، وهم اركان الدولة، بتحقيق الوفاق والتوافق بين اللبنانيين على اختلاف اتجاهاتهم ومشاربهم ومذاهبهم، وتحديداً بين قوى 8 و14 آذار على أن يجعلوا لبنان ينتظر نتائج ما يجري في المنطقة ولا سيما في سوريا وعدم استباق هذه النتائج ليبنوا معا على الشيء مقتضاه، خصوصاً ان لا دور للبنان في الصراع القائم على النفوذ في المنطقة وعلى تغليب مشروع على آخر قد يغير وجه المنطقة، سوى دور فتح ساحته لحروب الآخرين وقد حان لهم ان يتعلموا ويتعظوا من عواقب فتحها.

لذلك، فان الرئيس سليمان والرئيس بري والرئيس ميقاتي مدعوون للقيام بدور انقاذي يجنب لبنان تداعيات ما يجري في المنطقة، بحيث لا يكون لاعبا في لعبة اكبر منه، ولا ملعباً للآخرين. وهذا الدور الوطني يكون بالتوصل الى اتفاق وتوافق بين 8 و14 آذار او في اي اطار آخر على الموقف الذي ينبغي ان يكون للبنان في المرحلة الدقيقة والخطيرة التي تمر بها دول المنطقة، وهو موقف الترقب والانتظار فقط على ان يبنوا معاً موقفاً آخر في ضوء النتائج. فاذا كانت ارادة جميع من في هذه القوى حرة مستقلة، فلا شك في انهم يتوصلون الى وفاق واتفاق، اما اذا لم تكن حرة ومستقلة فلا سبيل الى ذلك، ويكون الاحتفال بالاستقلال ليس عيدا بل ذكرى عيد. 

السابق
المستقبل: أهالي عرسال منعوا مسلحين بلباس مدني من خطف لاجئين سوريين
التالي
الشرق الاوسط: الجدل يحتدم حول تمويل محكمة الحريري.. ومقربون من ميقاتي لا يستبعدون الاستقالة