ِشرُّ البليَّةِ ما يُضحِكُ

شرُّ البليَّةِ ما يُضحِكُ. هذا كان تعليق مواطنين لبنانيين نخبويين ومنصفين في تعاطيهم الشأنين العام والوطني كما الشأن القومي العربي، عندما سمعوا عبد الحليم خدام، النائب الاول لرئيس سوريا الراحل حافظ الاسد ومُنفِّذ سياساته اللبنانية وغير اللبنانية بكل دقة وإخلاص واحتراف، يتحدث الى تلفزيون "العربية" قبل مدة عن الحوادث التي تعصف بسوريا منذ 15 آذار الماضي. وشرُّ البليَّةِ ما يُضحكُ، كان تعليقهم ايضاً عندما سمعوا رفعت الاسد، شقيق الرئيس السوري الراحل وقائد سرايا الدفاع النافذة في احدى مراحل عهده ونائبه في رئاسة الجمهورية قبل سلوكه طريق المنفى ثم العقاب، عندما سمعوه قبل ايام قليلة يتحدث علانية عن أزمة بلاده، ويطالب ابن شقيقه الرئيس بشار "بالتخلي عن السلطة للشعب" طارحاً نفسه او اي عضو آخر من "العائلة" بديلاً منه في رئاسة الدولة.
ما هو الدافع الى التعليق المذكور اعلاه على ما قاله المسؤولان المهمان السابقان في نظام آل الاسد المقيمان في المنفى؟الدافع هو تشديد خدام على اصلاحيته المستترة، اي التي لا يعلم بها مواطنوه السوريون الذين يعتبرونه احد رموز "الحرس القديم" المعادي للاصلاح. وهو في الوقت نفسه نفيه النية الاصلاحية للرئيس بشار الاسد رغم حديثه المتكرر عنها منذ توليه السلطة. فهو قال انه قدم مشروعاً للاصلاح السياسي الى بشار بطلب منه، فأحاله الى القيادة القطرية لحزب البعث الحاكم التي كادت توافق عليه. لكن بشار ابلغ اليه انه جمّده لأن الإصلاح السياسي من دون إصلاح اقتصادي سيحوِّل المأزومين اقتصادياً معارضين للبعث والنظام. وقال له ان البداية يجب ان تكون إصلاحاً اقتصادياً. تجاوب خدام ووضع مشروعاً بذلك واجه التجميد نفسه. وعندما سأل بشار عن السبب أجابه ان نجاح الاصلاح الاقتصادي يحتاج الى إدارة غير مترهلة وغير فاسدة لتطبيقه. ولذلك فان البداية يجب ان تكون للاصلاح الاداري. انطلاقاً من ذلك قال خدام لـ"العربية" ان بشار لم يكن جاداً في الاصلاح. طبعاً قد يكون هذا الكلام صحيحاً، تقول شخصية لبنانية تعرف نظام آل الاسد جيداً منذ ايام مؤسسه، ومرَّت علاقتها به بطلعات ونزلات وخضات وايجابيات. وما يعزز صحته هو أن بشار لم ينفّذ اي اصلاح منذ تسلمه السلطة عام 2000، وأنه قال عندما بدأت غالبية شعبه تطالبه به إن الإصلاح يلزمه جيل او اجيال. هذا فضلاً عن ان الاصلاح او الانفتاح الاقتصادي الذي نفذه استفاد منه مقرّبون منه ومن النظام، واستُعمل لنيل ولاء مجتمع رجال المال والاعمال السوري وساهم في تعميم الفساد على كل القطاعات. لكن الشخصية اللبنانية نفسها تؤكد وبثقة ان خدام كان احد ابرز المناهضين للاصلاح في سوريا ايام الراحل حافظ الاسد، وفي السنوات التي تعاطى مع وارثه بشار من الموقع نفسه، اي نيابة رئاسة الجمهورية.

والدافع الى التعليق المذكور في مطلع "الموقف" هو نسيان، او بالاحرى تجاهل، لأن نسيان ما ارتُكب صعب بل مستحيل، رفعت الاسد ان احد الاسباب التي راكمت الاحقاد بين مكوِّنات الشعب السوري والتي تدفع منذ اشهر الغالبية الى الثورة على النظام من منطلقات مختلفة، هو ما قام به هو نفسه اواخر سبعينات واوائل ثمانينات القرن الماضي. علماً ان الاسباب التي دفعته الى ما فعل في حينه كانت مماثلة من حيث سوئها لما فعله. والدافع ايضاً هو التذكير بأن "الثوار" لا يميّزون بينه هو المنفي وبين ابن شقيقه الحاكم حالياً والمختلف معه على كل شيء. فالاثنان ابنا نظام واحد. ولا يمكن ان يكون العمُّ بديلاً مقبولاً شعبياً من ابن شقيقه، وقد عبّر عن ذلك، في اثناء اعلان رفعت قبل ايام استعداده لأن يكون البديل، مجموعة سوريين في "المنفى" بيافطات أربكته وإن لم تثر استغرابه.

هل اركان نظام الاسد الأب اي "الحرس القديم" قريبون من خدام والاسد العم؟ معظمهم قد يكون كذلك، وخصوصاً انهم كانوا ينفذون استراتيجيا واحدة والسياسة التطبيقية لها، وإن كل منهم بطريقته. لكن واحداً منهم، هو اللواء حكمت الشهابي، تقول الشخصية اللبنانية نفسها، تمتع بالحد الادنى، فهو دافع عن النظام عندما كان جزءاً منه. وهو نصح زعيماً لبنانياً "يحبه" بعدم بدء حملة عليه لأنه "محمي". وعندما خرج منه وبدأت "الانشقاقات الرفاقية" عنه و"التخلي الشقيق والصديق" رفض الانضمام اليها لأنه لا "يخون". وعاد الى سوريا بعد قضائه مدة في الخارج لأنه يريد ان "يموت" فيها، طلب موعداً من الرئيس بشار ليعطيه رأيه في كل شيء. فلم يُعطه. ضبّ حقائبه وعاد للسفر من جديد.  

السابق
جبل لبنان.. لكل قضاء ميزة أمنية والضاحية قدر بعبدا
التالي
فيصل كرامي: موقف لبنان في الرباط سيكون مشابها للموقف في القاهرة