بين دمشق والجامعة: تعليق..التعليق

يتضح من خلال التطورات المتلاحقة يوماً بعد يوم أن الازمة السورية بدأت تقف عند مفترقات خطرة إذا لم تعُد، أو تُعاد الى "جادة المبادرة العربية"، خصوصا اذا أصر المعنيون على تنفيذ قرار مجلس الجامعة العربية الأخير القاضي بتعليق عضوية سوريا في الجامعة في حال لم تلتزم تنفيذ بنود تلك المبادرة.

لكن الواضح ان هذه الأزمة باتت تشكل إحدى التعبيرات عن "الحرب الباردة" التي تجددت على الساحة الدولية بعد الفيتو الروسي ـ الصيني المزدوج الأخير الذي أسقط مشروع القرار الاميركي الغربي ضد دمشق في مجلس الامن الدولي، وصار في الامكان القول ان هناك نزاعا على سوريا بين واشنطن وموسكو وبكين من جهة ثانية ويتمحور حول هذه الدول الكبرى الثلاث فيه حلفاؤها الاقليميون والدوليون.

فبعد اعلان المبادرة العربية حضّت موسكو وبكين وحلفائهما دمشق على القبول بهذه المبادرة التي رفضتها بداية، فيما دخلت واشنطن على خطها بالتصريحات والمواقف التي أظهرت فيها أنها لا تعول أهمية على هذه المبادرة، والبعض قال انها لا تؤيدها في المطلق.

غير ان الحضور السعودي في اجتماع القاهرة الأخير الذي اتخذ فيه القرار بتجميد عضوية سوريا في الجامعة اذا لم تلتزم تنفيذ بنود المبادرة العربية، كانت له هذه المرة دلالاته وأبعاده اللافتة في رأي الذين تابعوا هذا المشهد العربي. وعلى رغم من ان بعض الذين شاركوا في هذا الاجتماع اكدوا ان وزير الخارجية السعودي الامير سعود الفيصل لم تكن له أي مداخلات خلال الاجتماع، فإن الرجل نقل بحضوره الى الجميع بمن فيهم الولايات المتحدة الاميركية رسالة مفادها "ان الأمر ما زال للمملكة العربية السعودية وليس لقطر، وان الدوحة تستطيع ان تؤثر على بعض المواقف، لكن مواقف دول كبرى مثل مصر والجزائر والمغرب والسودان وسلطنة عمان تتأثر في النهاية بموقف الرياض وتنسجم معه".

اما الرئيس السوري بشار الاسد فعلى رغم من المخاطر التي ينطوي عليها القرار العربي ضد بلاده على أكثر من صعيد وما تضمنه من "إعلان حرب" عليها، فإنه يشعر أن هذا القرار "جاء ليؤكد من جديد صحة رؤيته لما تتعرض له سوريا من "مؤامرة خارجية"، على حد قول مصادر سورية، مضيفة: "لقد قلنا ان هناك مسلحين فاعترضوا، ثم باتوا اليوم يتحدثون عن منشقّين يستخدمون السلاح، ثم وصل الامر بالناطقة باسم وزارة الخارجية الاميركية ان تتحدث عن مسلحين وليس عن منشقّين في سوريا وتطالبهم بعدم تسليم سلاحهم على رغم العفو الصادر عن النظام في حقهم".
 وتقول المصادر السورية ايضا: "لقد تحدثنا عن تجييش طائفي ومذهبي، فنفوا ذلك نفيا باتا، واذ بساحات مدن وارياف في وسط سوريا تشهد اعمال خطف وذبح وتمثيل بالجثث وعلى الهوية ايضا.

وقلنا ان هناك سيناريو متدرج يبدأ محليا ليتدرج عربياً واقليميا ليصل الى ذروته دوليا، فنفوا ذلك ثم بدأوا يسيرون خطوة خطوة في اتجاهه".

ويشدد مؤيدو النظام في سوريا على ان ما شهدته المدن والمحافظات السورية بعد ساعات من اعلان الجامعة العربية مقرراتها "هو نتاج احساس عال باستفزاز تمارسه دول خارجية، وأن من يعرف الشعب السوري، يعرف حجم الاحساس بالكرامة، وهو إحساس جعل الشعار الابرز للمحتجين في سوريا هو "الموت ولا المذلة"، فكيف اذا جاءت هذه المذلة من قوى خارجية".

اما المراقبون السياسيون المحايدون، فيعتقدون "ان وزراء الخارجية العرب قد ادخلوا الجامعة العربية في مأزق ليس من السهل عليها الخروج منه، فهذه القرارات تشكل انتهاكا لميثاق جامعة الدول العربية، إذ تؤكد اللجنة القانونية التابعة للجامعة في دراسة ان تعليق عضوية احدى الدول هو قرار يحتاج الى اجماع كل الدول ما عدا الدولة المعنية".

اما على الصعيد السياسي فمن الواضح ان قرارات الجامعة في شأن سوريا تذكّر بقرارات مماثلة صدرت عشية الحرب على العراق وخلال الحرب على لبنان، ثم الحرب على غزة، وصولا الى حرب "الناتو" على ليبيا. فقد بات واضحا ان لهذه القرارات مسلك يبدأ بتل ابيب فواشنطن فالاتحاد الاوروبي فبعض الدول العربية وصولا الى "ميدان التحرير" في القاهرة الذي حوّله الشباب المصري "ساحة للتغيير والانعتاق"، فيما حوله القيمون على الجامعة العربية "ساحة للاذعان والخضوع"، على حد تعبير المتابعين لهذه التطورات.

ولا يستبعد سياسيون أن يعود الموقف الروسي ومعه الصيني والايراني الى لهجة التشدد حيال القضية السورية، خصوصا حين بدا أن هذه الدول الحليفة لدمشق كانت تضغط بكل ثقلها لاقناع القيادة السورية بقبول المبادرة العربية، "فلما فاجأتهم دمشق بقبولها تم الالتفاف عليها وتعطيلها".

ويشير هؤلاء السياسيون الى ان زيارة الامين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي لليبيا فور اتخاذ القرار بتجميد عضوية سوريا "لم تكن خطوة موفقة، لأنها ذكّرت العرب والعالم بأن هذه الجامعة تتخذ اتجاه سوريا المسلك نفسه الذي إتخذته تجاه ليبيا، وهو أمر سيثير درجة عالية من الرفض ليس لدى الجمهور السوري وحده، بل لدى المواطنين العرب والمسلمين عموما".

ومن هنا لا يستبعد هؤلاء السياسيون أن تتم تسوية أعلنت دمشق عن بدايتها بدعوة اللجنة العربية الى زيارتها قبل الغد، أي 16 من الجاري الموعد الذي حددته هذه اللجنة لتنفيذ تجميد العضوية العربية لسوريا إذا لم تبدا تنفيذ المبادرة العربية. وتحدثت معلومات عن ايفاد لجنة تقصي حقائق الى دمشق مما يعني "تعليق التعليق"، أي تعليق قرار الجامعة بتعليق العضوية السورية فيها. وهناك من يقترح ان تنشىء الجامعة مكتبا دائما لها في دمشق للمتابعة ليرصد تنفيذ بنود المبادرة العربية أولا بأول، خصوصا وأن المأخذ السوري الرئيسي على اللجنة الوزارية العربية انها رفضت في إجتماع الدوحة البحث في آلية التنفيذ وضماناته حيث إستعجل رئيس الوزراء القطري الشيخ حمد بن جاسم إنهاء الجلسة قائلاً: "بعدين … بعدين".. 

السابق
المهندسة رولا فارس: تقصير إعلامي تجاه الزراعة العضوية
التالي
ما قبل التدخل الدولي