قوى في 8 آذار تتحدث عن سقوف جديدة

باتت دوائر التحليل والقرار في قوى 8 آذار تقيم في الايام القليلة الماضية على خلاصة جديدة للأوضاع عنوانها العريض ان ثمة تحولين جديدين طرآ على المشهد اللبناني، وعلاقته بالمشهد السوري على وجه التحديد، والسعي الاميركي والغربي عموما الى استكمال حلقات الحصار المالي والاقتصادي على سوريا، او بمعنى آخر، جعل لبنان على درجة عالية من الانضباط من موجبات هذا الحصار، فضلا عن ابقاء "حبل السرة" الذي انشأته بعض الاطراف بين بعض المناطق اللبنانية والداخل السوري قائما.
ولا ريب ان زيارة مساعد وزير الخزانة الأميركية لشؤون تمويل الارهاب دانيال غلايزر لبيروت خلال الساعات الماضية، قد ألقى الضوء ساطعا على الملف الاول، وبالتالي طرح على بساط البحث هذا الموضوع، ولا سيما ان للامر مقدمات تتجلى في ما تبلغه حاكم مصرف لبنان رياض سلامة من الادارة الاميركية ابان زيارته الاخيرة لنيويورك، وما نقل عن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي حيال استشعاره الواضح بالرغبة الغربية في ان لا تستغل سوريا الساحة اللبنانية بغية "اختراق" الحصار المالي الذي بدأ عليها.

وكل من له علاقة وتماس بالمسائل المالية يعي أن الاميركيين والغرب عموما، يدركون أن اي حصار قد فرض او يمكن ان تشتد حلقاته في القريب، سيكون محدود الجدوى ان لم يكن عديمها، اذا لم يتم ضبط ساحتين اساسيتين مجاورتين لسوريا هما الساحة اللبنانية والساحة العراقية، من سماتها وجود قوى رسمية وغير رسمية فيهما تملكان ارادة التعاون مع النظام في سوريا ومساعدته لتجاوز ازمته المفتوحة منذ نحو ثمانية اشهر. وبناء على كل هذه المعطيات والوقائع، بات مرتقبا منذ زمن ان تصعّد الجهات الاميركية المختصة ومعها جهات تهويلها وتحذيراتها على القطاع المصرفي اللبناني وعلى الحكومة اللبنانية نفسها والعمل على تعزيز الصوت الرافض لسلوك التعاون بين النظام في سوريا واولئك الرافعين لشعار الحياد وفي مقدمهم الرئيس ميقاتي.
ومع ذلك فإن القوى صاحبة هذه الوجهة ما فتئت ترى أن كل هذا التهويل الاميركي لن يحقق مبتغاه، لأن في الساحة اللبنانية من الماليين وغير الماليين من حضر البدائل لهذه اللحظة على نحو لا يبدو مكشوفا، وهو يملك خريطة طريق جلية تحتوي على الشعاب والأروقة الالتفافية التي يمكن سلوكها عند الحاجة. ولقد أقر أحد سفراء الدول الكبرى في بيروت في لقاء جرى اخيرا معه بوجود حركة يومية مكثفة لنقل الاموال بين البلدين، مقدما رقما كبيرا عن ذلك.
اما الملف الثاني الذي يعلو الضجيج حوله ويتحوّل مواجهات حقيقية بين 8 و14 آذار، وتتركز عليه اتهامات متبادلة، فهو المندرج تحت عنوان ملف التدخل في الشأن السوري الداخلي، في ظل الاتهامات المتبادلة بين فريق 8 آذار الذي يوجه للفريق الآخر اصابع الاتهام بانحيازه المباشر الى المعارضة السورية، ورفدها بأسباب الدعم عبر حبل سرة، وخصوصا في الشمال، وبين فريق 14 آذار الذي يرفع من عقيرته في الايام الاخيرة متهماً الحكومة والاكثرية بالضغط على المعارضين السوريين الهاربين الى لبنان، عبر خطف بعضهم او "محاصرة" بعضهم الآخر بأشكال شتى من الحصار.

ولا شك ان ثمة قوى في 8 آذار، معنية بمتابعة هذا الملف عن كثب لم تفاجأ بعلو اصوات الاقلية اخيرا حول مسألة ما يتعرض له النازحون من سوريا وما يحكى عن خطف للمعارضين، فهو في رأيها عبارة عن قنابل "دخانية" لتحقيق امرين:
الاول درء الشبهات التي تحيط بأداء الفريق الاقلوي نفسه حيال مسألة تدخله في احداث سوريا الى جانب المعارضة، وبالتالي الحيلولة دون تسليط الاضواء على الدور الذي يقوم به هذا الفريق، وخصوصا في المنطقة المسماة "كف حمص" وهو الاسم الذي يطلق عادة على منطقتي وادي خالد وعكار على وجه العموم.

ولقد توقفت الاوساط نفسها عند ما نشرته بعض الصحف العربية المعارضة للنظام في سوريا قبل ايام قليلة والتي تحدثت صراحة عن وجود "3 آلاف سلفي ومقاتل" في الشمال اللبناني جاهزين لجبه اي تدخل عسكري سوري في تلك المنطقة.
وهو ان كان في رأي الاوساط عينها جزء من حملة "تهويل" و"تضخيم" الا انه ينطوي على ابعاد شتى، وخصوصا ان ثمة معلومات سرت اخيرا، فحواها ان النظام السوري الذي دخل اخيرا في طور العمل بقوة وفي عجالة لحسم المعركة ضد المتمردين عليه في بعض احياء حمص، ربما وضع في حساباته فكرة "تأديب" هذه المنطقة، وبالتالي العمل لقطع فعلي لـ"حبل السرة" الذي يغذي حركة التمرد والاعتراض في حمص وريفها، نتيجة التداخل الجغرافي والتاريخي بين هذه الخاصرة السورية والشمال اللبناني عموما. أما الامر الثاني فهو "حشر" الرئيس ميقاتي الذي حقق لتوه "فتحاً" آخر مبيناً في لندن، حيث اسقط احد ملفات "التحفظ" الغربي عنه والتي عبّرت عن نفسها، لحظة قبوله بالتصدي لخلافة الرئيس سعد الحريري.
ثم "حشر" الاكثرية عموما وفي مقدمها "حزب الله"، واستطرادا الجيش اللبناني، الذي يتعرض لألوان غير مسبوقة من الاتهامات.

وقد جعل الجميع في موقع "دفاعي" يضطرون فيه الى الرد على الاتهامات التي تحاصرهم، ويكون الهدف الاساسي التعمية على لعبة الاستمرار في التدخل في الشأن الداخلي السوري، عبر اساليب وسبل تتعدى الاعلامي والسياسي، او في الحد الادنى الحفاظ على وضع متفجر، وخصوصا ان حلفاء النظام السوري في لبنان، ينقلون عنه ان لعبة تفجير سوريا من الداخل قد اخفقت، وبالتالي صار على اعداء النظام الصامد هناك ان يبحثوا عن دروب اخرى لإسقاطه تتوسل ساحتين خارجيتين على وجه الخصوص هما الساحة التركية ثم الساحة اللبنانية.
وحيال هذا التحوّل، فإن السؤال المطروح هو عن تبدد كل "الضمانات" التي سرت سابقا والقائمة على فكرة ان ثمة موانع وضوابط تحول دون تفجير الساحة اللبنانية. ليس بالطبع من يملك اجابة جازمة، لكن الاكيد ان شروط لعبة بعض اللبنانيين في الموضوع السوري قد طالها التغيير اخيرا، لذا ربما هناك امر "عمليات جديد". 

السابق
السفير: المعلم للعربي: ننفذ غالبية بنود المبادرة خلال أسبوع
التالي
إيران وإسرائيل..الوضع الحرج