اين الطائفة العلوية في الأحداث السورية

ثمانية أشهر مرت على انفجار الثورة السورية، أثبت خلالها المتظاهرون الثائرون بما لا يدع مجالاً للشك سلمية ثورتهم وبعدها تماماً عن أي نهج طائفي يحاول النظام السوري إلصاقه بالثورة، فخلال الأشهر المنصرمة لم نسمع عن أي استهداف أو استخفاف أو تهديد لأي طائفة من الطوائف المتعددة التي تعيش على الأرض السورية منذ قرون مضت بتآلف غريب وتناغم مثير وانسجام إنساني واجتماعي قل نظيره في المجتمعات التي تتشكل فسيفسائها من طيوف كثيرة مختلفة ألوانها ومشاربها، وكان شعار «الشعب السوري واحد» أول ما نادى به جموع المتظاهرين وقد تأكد تطبيقه على أرض الواقع قولاً وفعلاً.

وقد كانت الطائفة العلوية التي ينتمي إليها رأس النظام السوري من أكثر الطوائف التي جُيشت ضد الثورة وبُثت لدى أبنائها مشاعر الخوف والقلق على مصيرهم باعتبارها المرجع العقيدي والعقائدي والانتماء الديني والطائفي لعائلة الأسد التي تحكم سورية بقبضة من حديد طوال أربعين سنة ماضية، فقد حاول النظام منذ اليوم الأول للثورة ضرب أسفين قوي بين الطائفة العلوية التي تعتبر خيطاً مهماً واضح المعالم والتاريخ في النسيج السوري، وبين بقية الطوائف التي تشاركها في رسم هذا النسيج العريق، خصوصاً منهم الطائفة السنية حيث أنها تشكل السواد الأعظم من الشعب السوري والمتضرر الأكبر من النظام الأسدي، وقد نجح النظام نوعاً ما في إثارة بعض القلق لدى الطائفة العلوية على مستقبلها ما بعد الأسد، وعدم اطمئنانها لما ستؤول إليه الأمور بعد سقوط النظام. لكن الأخوة العلويون في خضم مخاوفهم التي بثها النظام في نفوسهم من حركات انتقامية قد ينفذها الثوار ضدهم بعد سقوطه، قد تناسوا موقع إعرابهم في جملة الأحداث السورية، فربطوا مكانتهم التاريخية والدينية والعقيدية في تاريخ سورية القديم والحديث بعائلة الأسد الحديثة العهد في الوجود الإنساني على الأراضي السورية حيث لا يعرف لها تاريخ طويل في المنطقة، وقد قادتها الظروف والملابسات وربما المخططات السرية لوصولها لسدة الحكم بانقلابات عسكرية متكررة بدأها حافظ الأسد ورفاقه العلويين وانتهت بانقلابه هو على هؤلاء الرفاق وتصفيتهم واحداً تلو الآخر تكريساً لهيمنة العائلة على الشعب السوري وتحويله إلى مجموعة من العبيد يعملون بمزرعته الخاصة التي تشمل جميع الأراضي السورية، وهو في هذا لم يستثن الطائفة العلوية من هذه العبودية بل كان لأبنائها الألولوية في الاستعباد كونهم ينتمون للطائفة نفسها التي لعبت عائلة الأسد على خيطها ابتداء من الأب وانتهاء بالأبن.

و ثبت خلال سنوات حكم آل الأسد للبلاد، بأن ما أصاب أبناء الطائفة العلوية من هذه العائلة يوازي ويساوي ما أصاب بقية أبناء سورية من كبت للحريات العامة، وقمع لأصحاب الرأي والرؤى، وملاحقة المثقفين والمستنيرين، وتصفية الشخصيات ذات الثقل في الطائفة، وإرغام الشبان العلويين على ترك التعليم والتطوع بالجيش والقوات الخاصة وسرايا الدفاع مستغلين الحالة المادية البسيطة لمعظم أهالي الجبل ما أثر في فترة من الفترات على المستوى التعليمي لأبناء الطائفة وهو ما يعتقد أنه كان مدروساً ومقصوداً للسيطرة عليهم مادياً وضمان ولائهم وطاعتهم العمياء لها، ولعل في اعتقال صلاح جديد حتى وفاته وتصفية محمود عمران وغازي كنعان وغيرهم ممن تسلق الأسد الأب على أكتفاهم للوصول للكرسي، واضطهاد الدكتور عارف دليلة ونزار نيوف وغيرهم من المثقفين والمفكرين العلويين لهو أكبر دليل على أن أبناء الطائفة العلوية كغيرهم من أبناء الطوائف الأخرى في سورية معرضون لكل أنواع الاستبداد والقمع في حال تعارضت مصالحهم وميولهم مع مصالح النظام التي تتمثل بحكم عائلة الأسد سورية للأبد.
واليوم إذ يستفيق الشعب السوري من غفوته الإجبارية ليرفض هذا التوارث الذي يتنافى مع أبسط مبادئ حقوق الإنسان في المشاركة السياسية والاجتماعية لبناء مستقبل البلاد، وتولد الثورة من رحم الواقع المزري للمواطن السوري لتعلن انتهاء العصر الأسدي الذي قام على الاستبداد والعنف والقمع وسلب الحريات وتقديس الحاكم واستعباد المحكوم، لتثبت على مدار الشهور الماضية رفضها التام لإقصاء الأقليات أو الطوائف أو الأعراق من جدول أعمالها، وتؤكد عملياً أن الشعب السوري واحد لا يتجزأ، وأنه كما عانى من ضيق العيش وذل الحياة وقمع الحريات فإنه يجب أن يتضامن لنفض غبار الزمن الرديء ورسم بداية جديدة لمجتمع سوري متقدم ديدنه ديموقراطي ومنهجه حر.

وأنه آن الأوان للطائفة العلوية أن تثبت لنفسها وللشعب السوري أنها جزء أصيل من هذا الكيان لا يمكن الاستغناء عنه في مراحل بناء سوريا الحديثة لأنها عمود أساسي في الهيكل السوري القديم ولابد أن يكون أساسياً في الهيكل السوري الجديد، وعليها أن تتبرأ من أعمال هذا النظام الاستبدادي الآثم الذي يحاول أن يضللها ويضلها عن طريق الحق بتبرير دوافعه الإجرامية التي تدفعه للتنكيل بالشعب السوري حفاظاً على كرسيه بالحفاظ على وجودها، متناسياً أن هذه الطائفة العريقة هي أصل سوري متجذر في التاريخ السوري وأن العائلة دخيل طفيلي تسلق عليها لتنفيذ مخطط غامض التاريخ والهدف، علماً أن نتيجة التصادم والمواجهة بين النظام البائد والشعب الخالد نتيجة محسومة لصالح الشعب ومستقبله الحر، ووقوف أبناء الطائفة مع الثورة لن يغير من هذه النتيجة لأنها حتمية لكن بالـتأكيد يساعد على حقن دماء السوريين وإيقاف آلة الإبادة مبكراً، وينقذ أرواحاً تزهق كل يوم بيد آثمة.

ولعل الحكمة اليوم تقول ان السفينة الغارقة لن تنجي من عليها حتى مهما كانت قوتها، لأن المياه التي تتسرب إليها لن تتوقف عن الهدير والرياح التي تهزها لن تهدأ عن العصف، ومن الأجدر للعاقل أن يقفز منها قبل أن تسحبه معها للقاع، فسفينة الأسد غارقة ومياه الثورة هي المغرقة ورياح التغيير ستبقى عاصفة حتى تنتهي الزوبعة إلى سلام الشعب السوري وحريته، فهل تقفز الطائفة منها وتتحمل مسؤوليتها التاريخية تجاه الشعب والوطن وتشارك السوريين بناء دولتهم الحديثة وتثبت أنها جديرة بانتمائها للنسيج السوري العريق؟ أم أنها سترضى أن تبقى ظلاً للنظام ومظلة لأعماله الإجرامية وأداة طيعة في يد الظلم والاستبداد، وأنها مستعدة أن تحمل أبناءها على مدى التاريخ أوزار النظام الفاشي الساقط في مزابل التاريخ لا محالة. 

السابق
مراسلون بلا حدودعن قمع الإعلام في سوريا
التالي
طلاب لبنانيون في معرض دبي للطيران