حديث الحرب على إيران

ما سرّ هذا التسريب الإعلامي عن مناقشات إسرائيلية داخلية حول إمكان توجيه ضربة عسكرية لإيران وبرنامجها النووي، بالاعتماد على أن هناك مزيداً من الأدلة التي ستظهر عن طابعه العسكري، خلافاً لما تقوله طهران عن طابعه المدني والسلمي؟

فمن المحال تصوّر أي «تحضير» أو نقاش إسرائيلي داخلي في شأن توجيه ضربة عسكرية للمنشآت النووية الإيرانية، من دون جواز مرور أميركي لخطة كهذه، بل من دون اشتراك أميركي فعلي بضربة كهذه، لأن إسرائيل وحدها غير قادرة على استيعاب تداعيات العمل العسكري ضد طهران، وتحتاج حكماً الى التدخل الأميركي العسكري في مواجهة ردود الفعل الإيرانية في المنطقة برمتها، ولا سيما في منطقة الخليج. وهي ستحتاج أيضاً الى جسر جوي لإمدادها بالذخائر من القنابل والصواريخ ولا سيما ما يسمى القنابل الذكية لمواجهة ردود الفعل في المشرق العربي الذي ستلهبه طهران في سياق خطتها الدفاعية، وتكون سورية ولبنان منطلقاً لها.

إلا أن هذا الانخراط الأميركي في حرب من هذا النوع مستبعد في المقابل. على الأقل هذا ما تشير اليه المعطيات عن نمط التفكير الأميركي الراهن في الإدارة، استناداً الى التسريبات عن المناقشات في واشنطن على المستويين الديبلوماسي والسياسي، أو من خلال تقديرات مراكز الأبحاث الأميركية القريبة بهذا القدر أو ذاك من الإدارة.
 
فالحجج التي تسوقها هذه الدوائر لاستبعاد الحرب، تبدأ بالقول إن واشنطن لا تستطيع أن تسمح لاسرائيل بمغامرة كهذه في ظل الصعوبات التي تواجهها الولايات المتحدة اقتصادياً وعسكرياً في أفغانستان والعراق، وسياسياً في مواجهة التضامن الدولي مع طلب السلطة الفلسطينية الاعتراف بالدولة الفلسطينية في الأمم المتحدة، فضلاً عن التداعيات المتوسطة والبعيدة المدى للربيع العربي على الموقف من إسرائيل في عدد من الدول العربية التي كانت أنظمتها السابقة مطواعة في يد واشنطن، لمصلحة تل أبيب.

هناك حجة واحدة قد تجعل من تهيؤ وانشطن لخيار عسكري حيال إيران وارداً، بالتعاون مع إسرائيل، وهي أن انسحاب قواتها من العراق الذي أعلن عن إتمامه الرئيس باراك أوباما مع بداية العام المقبل، قد يحرر القوات الأميركية من إمكان استهدافها من طهران من مسافة قريبة، عبر حلفائها داخل العراق، بحيث يسهّل ذلك عليها أخذ هذا الخيار ضد إيران. وقبل زهاء أسبوعين كان السفير الإيراني في بيروت غضنفر ركن أبادي استبعد لجوء الجانب الأميركي الى هذا الخيار لأن الجنود الأميركيين في أفغانستان والعراق هم رهائن بإمكان طهران و «مقاومات» المنطقة استهدافهم، «وأننا قد نبدأ بالقلق من ضرب إيران عسكرياً، حين يغادر هؤلاء الجنود المنطقة»، ما يعني ان طهران تأخذ في الاعتبار أن الانسحاب الأميركي من المنطقة يسهّل الحركة العسكرية لواشنطن ضد إيران.

إلا أن حتى هذه الحجة لها ما يقابلها في استبعاد الخيار العسكري الأميركي. وفضلاً عن الأسباب المذكورة في شأن الصعوبات الاقتصادية الأميركية في الظرف الراهن والتي تحول دون تحمّل الكلفة المالية لأي حرب جديدة، والنتائج الكارثية لهذه الحرب في المنطقة برمتها، فإن الانسحاب من العراق غير كافٍ لتوفير الخسائر على الجانب الأميركي، في ظل وجود جنود أميركيين في دول خليجية عدة وفي أفغانستان. هذا بالإضافة الى وجهة النظر القائلة إن الانسحاب الأميركي من العراق يأتي في سياق تراجعي لسياسة واشنطن في المنطقة لا في سياق هجومي، وهو انسحاب سيؤدي عملياً الى التسليم بنفوذ طهران في العراق وباتجاه إيران نحو إحكام إمساكها بخيوط اللعبة من بغداد الى دمشق وبيروت… وبالتالي فإن واشنطن وإسرائيل ستميلان الى التفاوض مع القيادة الإيرانية على أوضاع المنطقة بدل تصعيد خصومتهما معها.

وإذا كانت هذه التوقعات تنتظر اختبارها في الأشهر المقبلة، وتتوقف، بين ما تتوقف عليه، على مصير النظام في سورية، فإن غلبة الاستنتاج باستبعاد الخيار العسكري حيال إيران تطرح تفسيرات أخرى للعبة قرع طبول الحرب الإسرائيلية. فحكومة بنيامين نتانياهو هي، مثل دول غربية أخرى، قد تكون في حاجة الى تصدير صعوباتها الداخلية، الاقتصادية والمعيشية التي أطلقت حركة احتجاج غير مسبوقة، وهي تلجأ الآن الى محاولة اختراق طوق العزلة الدولية التي أخذت تصيبها جراء تنامي الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية. فإخراج النقاش حول ضربة لإيران الى العلن يحجب الأنظار عن فشل المتطرفين في إسرائيل في التوصل الى تسوية سلمية للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، وما يفرزه من نتائج على الدولة العبرية وحتى على حليفتها أميركا.

لحديث الحرب وظائف أخرى غير الحرب. 

السابق
خليل: لا دلالات على اعادة تموضع جنبلاط
التالي
عمال مصالح الجنوب يوقفون ضخ المياه ابتداءً من اليوم