جامعات··في مهبّ الشباب!

بعد عودة عجلة الحياة الروتينية إلى دورتها الطبيعية واستئناف الطلاب العام الدراسي في المدارس والجامعات، إضافة إلى حلّ أزمة الجامعة اللبنانية وافتتاح طلابها لعامهم الدراسي، ولو متأخراً·· شعر اللبنانيون عموماً، وأهالي الطلبة خصوصاً، بشيء من الراحة لوجود أبنائهم في موقعهم الطبيعي: الحرم الجامعي على مقاعد الدراسة التي تصرفهم عن القضايا التافهة التي شغلت المجتمع اللبناني في السنوات الأخيرة، وتؤهّلهم لمواجهة المستقبل وتحدياته، وسط احتدام المنافسة مهنياً، وتفاقم الأزمات المعيشية على المستوى العالمي، وبالتالي بات الحصول على فرصة عمل أمر بالغ الصعوبة، قادر على إحباط أكثر الأدمغة توثباً، مهما بلغ تصميم عزائمها!
ولم يبقَ للشباب اللبناني من سلاح فاعل ومُنتج سوى عِلمِه، مهما كانت الشهادة، من الدكتوراه وصولاً إلى المهنية· فالمستقبل مفتوح لأصحاب الشهادات والمهن المتخصصة، وليس للقبضايات وحَمَلة السلاح (أبيضَ كان أو أسودَ)! 

ولم يخطر ببال أم أو أب أن تتحوّل الجامعة إلى ساحة حرب، وأن يكون وجود الطالب فيها مدعاة قلق، ومصدر خطر ممكن أن يهدّد حياته، إذا ما تجاوزنا فكره ومعتقداته·

إن الأحداث التي شهدتها الجامعة اللبنانية الأميركية تُنذر بأيام صعبة مقبلة لطلاب جامعاتنا، وهي تتحضّر بمعظمها لخوض انتخابات مجالس الطلبة، والتي تشهد بشكل عام توتّراً كبيراً منذ الاصطفافات الحادة التي أفرزتها سياسة المحاور المعتمدة من الأحزاب والتيارات المسيطرة على الشارع، فكيف اليوم وقد بلغ الاحتقان حدّاً لم يعد تَقبُّل الآخر ممكناً، ولو بأبسط المناسبات·

يُراد من الانتخابات الطلابية، نظرياً، تأهيل الطالب لممارسة حقوقه المدنية عند بلوغه السن القانوني، ضمن الأطر الديمقراطية السليمة القائمة على احترام الاختلاف بالرأي، والقدرة على التعايش والتعاون الفكري مع الآخر، تحقيقاً للمصلحة العامة الجامعة لمختلف التيّارات والإنتماءات·

ولكن، فعلياً، ما نراه عكس النظرية المذكورة، فاليوم تُريد التيّارات والأحزاب تأهيل شبابها لمواجهة الآخر و<تكسير رأسه>، بكل السُبل المتاحة، والتي غالباً ما تكون تصادمية وقمعية ، بعيدة كل البُعد عن الفكر الديمقراطي·

وإذا كان البعض قد نسي أو حوّل اهتمام الشباب عن الهدف الرئيسي من الانخراط في الحياة الجامعية، فلا بد لإدارة الجامعات أن تقوِّم فكر طلابها المُنحرف عبر إلغاء مظاهر الممارسات أو الإحتفالات الفئوية أو الحزبية الضيّقة التي تُثير النعرات، إلى أن يعود الشباب إلى رشدهم ويبلغون النُضج السياسي المطلوب لتَقبُّل الآخر، واعتماد لغة الفكر والحوار لمناقشة نقاط الاختلاف وليس الزند والحجر، حتى لا نقول أكثر، وهي لغة عقيمة لن يخرج منها رابح·

إنه لمن المؤسف أن يصل الدرك في لبنان إلى هذا الحدّ، وهو الوطن الصغير الذي صدّر الديمقراطية إلى محيطه العربي، وعلّم الحرية منذ بدايات تاريخه من الثورات ضد الاستعمار وصولاً إلى شهداء الفكر والصحافة··!

ولكن يبدو أن فاقد الشيء لن يُعطيه، وبالتالي، السياسيون الذين يتحكّمون بالمزاج الشعبي هم أكثر الناس بُعداً عن الفكر والممارسة الديمقراطية، وبالتالي لن يصدّروا إلى القاعدة الشعبية إلا التقوقع والإنغلاق، ولن تكون المواجهة مع الفكر المُناهض إلا عبر العنف الشوارعي والإنفلات الأمني!

وبالتالي، حماية لشبابنا، وهنا نعني جميع شبابنا، وحماية لمستقبل الوطن الذي لن يتحمّل المزيد من الحروب والخسائر البشرية للطاقات والكادرات الواعدة، فلتكن المؤسسات التربوية ساحة عِلم، إلى أن تصقل الأيام خبرة أصحاب العود الطري، وتنوّر المعرفة ظلام العقول الحاقدة، وتوسّع آفاق المصالح الضيّقة، لتمدّ جسور الحوار للحفاظ على التنوّع الفكري وإغنائه والإستفادة منه·

·· ويبقى الهاجس الأمني الأكثر خطراً: فإذا عالج الشباب الجامعي المُثقّف إختلاف الرأي بالعصي والحجارة والشتائم، فماذا سيكون سقف المواجهة في الشارع، وهل ستبقى ضمن ضوابط الطبقة السياسية أم أن الإنفلات سيكون ككرة نار تحرق كل مَنْ يقف بطريقها؟ 

السابق
14 آذار يستكمل تسليح جماعاته استعداداً للحرب الافتراضية التي يتحدث عنها !!
التالي
سلاح حزب الله بند وحيد وإلا لا حوار