قصة المبادرة السورية التي تهدد المبادرة العربية

لم يصدق أحد على الإطلاق ان الجانب السوري قد تجاوب بهذه السهولة مع المبادرة العربية وقرر في المهلة التي حددتها سحب الدبابات والآليات العسكرية من الشوارع الى الثكن، وأطلق المعتقلين السياسيين، وسمح للإعلاميين بالتحرك على الأراضي السورية بحرية، وتوجه وفد من القيادة السورية الى القاهرة لملاقاة وفد المعارضة السورية إيذانا ببدء الحوار بين الطرفين تحت مظلة الجامعة العربية.

ومرد هذا التشكيك يعود الى ان ايا من المراقبين لم يتوقع ردا سوريا إيجابيا على هذه المبادرة. بل على العكس فقد توقفت المراجع عند ما صدر عن دمشق ما يشير الى ان وزير الخارجية وليد المعلم الذي قاد مفاوضات الدوحة والى جانبه نائبه فيصل المقداد والمستشارة الرئاسية بثينة شعبان لن يتوجهوا الى القاهرة للمشاركة في اجتماع اللجنة الذي انعقد عند الرابعة عصر امس في مقر الجامعة، فانخفض مستوى التمثيل السوري الى مستوى رئيس البعثة هناك السفير يوسف الأحمد وبعض معاونيه.

وهكذا، بقيت الساحة السياسية والدبلوماسية خالية من المواقف الرسمية فاجتاحتها الروايات والتسريبات غير الرسمية، ولم يتفق المراقبون إلاّ على إحداها، وهي تقول ان سوريا تستعد للرد على المبادرة بمبادرة أخرى تعطل مفاعيلها و"تفرمل الطحشة" العربية في اعتبار ان "البروفة" الأولى لمثل هذه المبادرة، قد انتهت الى الفشل منذ تموز الماضي.

من انقرة الى الدوحة…

ولكن ما هي هذه "البروفة"؟ وعلام تستند؟.

البروفة السابقة، بحسب المصادر الدبلوماسية تكمن في تبني الجامعة العربية المبادرة التركية التي نعاها رئيس الحكومة التركية رجب الطيب اردوغان في تموز الماضي بعد مفاوضات دامت أشهرا. وهي المبادرة التي اطلقها الجار التركي بعد اقل من ستة اسابيع على انطلاق الثورة في سوريا، واشارت منذ ذلك التاريخ الى ما حملته "البنود العربية" بحذافيرها نفسها التي باتت على طاولة المفاوضات العربية ـ السورية في الشكل والمضمون.

وأضافت المصادر: "لقد قدم اردوغان المبادرة في توقيت مبكر مرفقة بتحذير مسبق من الآتي على النظام في سوريا، ولم يكن يومها مقتنعاً بأن السوريين سيتجاوبون مع هذه الرغبة، لكنه كان يقود النظام السوري الى مسلسل التنازلات التي رفضتها دمشق على إقتناع منه بأن النظام كان قادرا على المقاومة وتوفير الظروف التي تؤمن له استمرار السيطرة على سوريا لعقود أخرى بمجرد القبول بالمنطق التشاركي مع مجموعة من الأحزاب السورية التي يمكن ان ينتجها النظام نفسه في شكل من الأشكال، داعيا القيادة السورية الى نسيان منطق الـ 99 % الذي كانت تتمسك به.

وفي المعلومات التي تبادلتها المراجع السياسية والدبلوماسية المواكبة المسعى العربي ان اللقاء الأخير الذي ضم أمير قطر ورئيس حكومتها والقيادة التركية في نهاية آب الماضي قد شكّل المرحلة الإنتقالية لسحب المبادرة التركية من التفاوض مع دمشق و"إلباسها الطربوش العربي" بعلم القيادة الإيرانية التي باركت في حينه هذه العملية الإنتقالية وابلغت ذلك الى الدوحة التي ترأس اعمال مجلس الجامعة العربية، وهو الموقع الذي قادها الى رئاسة اللجنة التي كلفت التفاوض مع سوريا.

ولذلك، فان ما كان متوقعا للمبادرة التركية والنهاية التي آلت اليها، بات على قاب قوسين او ادنى من ان يتجدد على مستوى المبادرة العربية. لكن ذلك لن يحصل بين ليلة وضحاها، فهناك بعض المحطات الإنتقالية الإجبارية التي على اللجنة عبورها وصولا الى بلوغ مرحلة النعي الرسمي لها.

مبادرة تعطل مبادرة!

وعليه، يعترف المراقبون بأن الى جانب ما ولدته الإشارة الى مبادرة سورية تستوعب المبادرة العربية وتعطلها، فقد اشارت بعض المعلومات الى ان سوريا اشترطت فترة انتقالية تقود الى التزامها خريطة الطريق العربية طلبا للضمانات التي يجب ان يوفرها العرب للقيادة السورية لتطمئن الى سلامة العملية. وهي شروط سورية تقول بوقف كل انواع الحرب الاعلامية على النظام السوري، ورفع العقوبات المفروضة على سوريا، ووقف تدفق تهريب السلاح عن طريق دول الجوار الى الداخل السوري.

وهكذا، تختم المصادر، لتؤكد ان الساعات المقبلة لن تحمل ما يطمئن الى ان المبادرة العربية يمكن ان توفر فرصة، ولو ضيقة، للخروج من المأزق السوري طالما أن أي مبادرة لا يمكن تعطيلها إلا بمبادرة مثلها وهذا ما هو قائم اليوم. 

السابق
هدايا تلامذة الإيمان الى مدارس رسمية في صيدا
التالي
فتفت: مصداقية الحوار أمر مهم