عن رحلتي في بلاد الأميركان (7): أسطورة 11 أيلول… كم تشبه المحرقة في ظلم من لا علاقة لهم

مرّت عشرة سنوات على أحداث 11 أيلول، ونجحت القوات الأميركية المسلحة في القضاء على المتهم بهذا العمل الاجرامي: أسامة بن لادن. قتل "الارهابي" الذي غيّر الكثير في نسيج الفكرة الأميركية وقلب الامور فيها رأساً على عقب، وأبرز هذه التغييرات تظهر إلى العلن من خلال الرعب والخوف والحيطة المضخمة التي باتت تؤثر بنحو سلبي على الأمن الأميركي، فترهق وتقزز وتشعرك بأنك متهم ومراقب ومنتهكة حريتك وحقوقك بشكل مستمر.

أن تتعرض للتفتيش الدقيق في كافة المطارات والموانيء البرية والبحرية فقط لأنك تقصد الدولة للسياحة أو العمل أو الدراسة أمر طبيعي وعادي، إن أردت ترك الساحة الداخلية للمطار والخروج منها. هنا لا تمييز بين أبناء البلد والضيوف، فعلى الجميع أن ينزعوا الأحذية والحلي والنظارات والاحزمة وكافة الادوات الالكترونية من هاتف ولاب توب وإدخالها كلها في ماكينة المراقبة .. وتبقى بانتظار التأكد من أنك لا تحمل، ليس قنبلة او متفجرة، إنما أبسط من ذلك بكثير. فإن كنت تحمل في حقيبة يدك قنينة عطر يزيد حجمها عن الـ 50 ملم فيجب أن ترميها. لتكمل بعدها طريق الخروج عبر ماكينة التصوير التي تصوّر تكوين الجسد ويراه الشرطي وكل من يكون في الجهة المقابلة، فإذا ما أضيء اللون الأحمر بدأت عملية التفتيش الدقيق للجسد لمعرفة الأسباب، والملفت أن هذه الآلات دقيقة جداً وتظهر أصغر الأمور، وتطلق ناقوس الإنذار لأبسط الأشياء، كالغبرة على اليدين، أو الأوساخ على البنطلون نتيجة الجلوس في أماكن يوجد فيها هذه المواد الطبيعية غير القابلة للإنفجار!!

في المطار المراقبة الدقيقة مرهقة، وعلى الجميع أن ينتظر مرور الواحد تلو الآخر للتأكد من السلامة الأمنية لدخوله، وكأن من ينوي تفجير نفسه في المطار سينتظر ليتم تفتيشه!!

تمرّ الأمور بسلاسة إلا إذا ما أضيء ذلك الضوء الأحمر، وهي سلاسة مملة ومرهقة، ليكمل بعدها المسافرون مهمة توضيب حقائبهم وليس ما قاموا بخلعه سابقاً للوصول إلى الشارع، قد تصادفك بعض التعقيدات لكنّ الوضع الاصعب أن تكون حقيبتك، او حقائب من هم أمامك في ذاك الصف الطويل، محل شبهة… وهناك تقع الكارثة، لأن الشرطة ستعمد إلى تفتيشها حبة حبة، وسيفحصون المحتويات والأسماء للتأكد من سلامة كافة الأمور.

تخرج من تلك الرقابة، لتنتقل إلى رقابة جديدة في المنطقة الحرّة حيث الكاميرات تنتشر في كل مكان، لتراقب كافة تحركاتك، فإذا ما وضعت شنطة سفرك ووقفت ثانية بعيدا عنها يمكن للشرطة أن تأتي وتعتقلك على اعتبار أنك تركتها للتفجير.

هذه الرقابة موجودة ليس فقط في المطارات إنما منتشرة في كل ركن، فهي في كل الأبنية، حكومية كانت أم غير حكومية، الأسلوب نفسه والـ"شلحان" نفسه، والرقابة المشددة نفسها موجودة أيضاً على مداخل الفنادق.

يمكن القول تندّرا إنّه في نيويورك تستقبلك الكلاب لشمّ الشنط وشمّك، للتأكد من أنك لا تضع زناراً ناسفاً، أو أي مواد سامة، وأيضاً في المتاحف على مختلف أنواعها وأهميتها جميعها تتفحص الزائرين، وعليهم خلع كل ما يمكن أن يجعل مكنات المراقبة تطلق صافرات الإنذار حتى ولو اضطررت للذهاب والدخول منها عشرات المرات، وخلفك ينتظر المئات للدخول فإنك لا تمر إلاّ إذا توقفت عن الصفير.

رعب مضخم وأوهام كبيرة وقصص وخبريات تعتقل الحريات العامة وكأنك متهم أو ما يسمى في أميركا "إرهابي"، كأن تكون اتصالاتك الهاتفية المحلية والدولية ومراسلاتك الإلكترونية خاضعة للمراقبة من دون علمك، وهو أمر خطير، وأن تضطر إلى تعبئة استمارة مليئة بالبيانات والأسئلة لمجرد رغبتك في تحويل مبلغ مالي محدود، وهو أمر مزعج أيضا… ممارسات تتعدى على الحريات الشخصية وتحولها إلى ضحية تحت ستار الامن والخوف من الارهاب.
  

ونتيجة لهذه الممارسات، تعمل المنظمات الحقوقية والناشطون المدافعون عن حقوق الإنسان، طوال السنوات الماضية، لرفع الصوت عالياً، منتقدة التوجه المتعمّد للقضاء على الحريات، وخصوصاً بعدما تبيّن في أعقاب مرور 10 سنوات على أحداث الحادي عشر من أيلول أن تشديد القوانين لن يتوقف عند حدّ معين، بل على العكس من ذلك يزداد باطّراد، وسرعان ما انتشرت عدوى الامن والرقابة على مختلف دول العالم كفرنسا والمانيا وبريطانيا، وأيضاً الدول العربية التي اتخذت الإرهاب ذريعة للإبقاء على قوانين الطوارئ لإسكات المعارضين بحجة مكافحة الإرهاب، كما كانت الحال عليه في مصر وتونس وسوريا، وكما كانت الاردن والسعودية قبل الثورات الشبابية، حيث بات تقليص الحريات سمة مشتركة وعدوى متنقلة بين الدول.
 

قد يكون تصريح عضو الكونغرس الاميركي "بيتر كين" صحيحاً، بأن الاجراءات المعتمدة أفضل من احتراق الناس حتى الموت أو الاضطرار إلى رمي أنفسهم من ارتفاع 106 طبقات، ولكن أن يصل عدد الصحافيين المحتجزين بتهمة دعم الارهاب إلى أكثر من 150 في دولة الديمقراطية والحرية، فيصبح ذلك تطبيقا لمقولة باتريك بودوان، الرئيس الفخري للفدرالية الدولية لحقوق الإنسان، بأنّ "الدعاية التي تستمد شرعيتها من انتهاكات الحقوق والحريات بحجة مكافحة الإرهاب والتي جرى نقلها من خلال الاستغلال والتلاعب بالخوف أدت إلى التخلي التدريجي عن القيم الأساسية للإنسانية".  

السابق
الحجار: لقانون انتخاب عصري يخرج لبنان من ازمته
التالي
مشروع الانتخاب يبدأ اليوم رحلته الشاقة