هل تنتظر اميركا فعلاً الجامعة العربية؟

سياسة "الباب المفتوح" مع نظام سوريا التي اعتمدها الرئيس الاميركي باراك اوباما منذ وصوله الى البيت الابيض رُفِعَت عن الطاولة، يقول متابعون اميركيون لسياسة ادارتهم حيال الشرق الاوسط وسوريا. فـ"الباب" المذكور قد أُقفل. وتبدو الادارة سعيدة لرؤية المصاعب الاقتصادية تتصاعد في وجهه. علماً انها لا تكتفي بهذا "الشعور" بل تستمر في دعم "المعارضة السورية" بالنصائح والاموال.

إلا أن ذلك لا يعني في نظر هؤلاء ان اوباما سيعتمد حيال الاسد سياسة مُغامِرة. وأسباب ذلك كثيرة، ابرزها ان معركة الانتخابات الرئاسية في بلاده قد بدأت وهو يعتزم الاشتراك فيها طلباً لولاية ثانية. لذا عليه ان يكون حريصاً على عدم انتهاج سياسات تُغضِب الشعب الاميركي او تؤذيه في مصالحه وأمنه وتالياً تدفعه الى التصويت للمرشح الذي سيواجهه في تشرين الثاني المقبل. فهو لديه الآن من المشكلات الاقتصادية في الداخل وفي العالم والسياسية والامنية في الخارج ما يكفيه. وينصبّ همه على معالجة بعضها الداخلي وتحديداً البطالة كي يضمن الى حد كبير إعادة انتخابه. ذلك ان الاعتماد للفوز على عامل واحد فقط، هو عدم وجود مرشح جمهوري قادر على اجتذاب الناخبين، وعلى عامل آخر هو انقسام الحزب الجمهوري المنافس بين محافظ معتدل ومحافظ جديد بل متشدد جداً يمثّله "حزب الشاي"، ذلك ان هذا الاعتماد لن يكون كافياً. طبعاً لن يجمّد اوباما وادارته تعاطيهما مع النظام السوري انطلاقاً من المشار اليه اعلاه.

وهذا يعني أنهما وحلفاء اميركا سيفرضون من جديد عليه عقوبات صارمة جداً. ويعني ايضاً انهم سيمارسون ضغوطاً واغراءات على "حليفي" سوريا، اي روسيا الاتحادية والصين الشعبية، من اجل إقناعهما بموقف من نظام الاسد قريب من موقفهم، وتالياً بالتصويت معهم بـ"نعم" على مشروع قرار يتناوله في مجلس الامن، اذا قرروا العودة الى هذا الامر بعد فشله في المرة السابقة بسبب "الفيتو" اي النقض الذي مارستاه.
 
أما باستثناء العقوبات، يضيف المتابعون الاميركيون انفسهم، فان اوباما وادارته لن يفعلا سوى الانتظار، اي انتظار تطورات عدة قد يكون ابرزها اثنان. الاول، تحرّك جامعة الدول العربية، بواسطة اللجنة التي ألّفها مجلس وزراء خارجيتها في آخر اجتماع له في القاهرة، والتي ضمت الى الامين العام للجامعة مصر والسودان والجزائر وعُمان اعضاء وقطر رئيساً، في اتجاه النظام السوري. والهدف من الانتظار هنا هو معرفة ما إذا كان الرئيس الاسد سيتجاوب، الامر الذي ربما يفتح الابواب امام محاولات جدية لوقف العنف والقمع ولمباشرة إصلاح جدي. وهو ايضاً معرفة ماذا ستفعل الدول العربية عبر "جامعتها" او عبر دولها في الأزمة السورية في حال ناور النظام في دمشق كعادته او ماطل او وعد ولم يلتزم. اما التطوّر الثاني الذي قد تكون اميركا اوباما تنتظره فهو موقف مفوضية حقوق الانسان في الامم المتحدة من كل ما يجري في سوريا. والدافع الى هذا الانتظار هو وجود احتمال جيد او معقول ان تقوم المفوضية المذكورة بتوجيه اتهامات للرئيس الاسد وللعاملين معه بارتكاب جرائم ضد الانسانية. وإذا حصل ذلك فإنه لا بد ان يؤدي ومن دون ادنى شك الى نهاية الرئيس الاسد. ليس في سوريا ربما، ولكن في العالم والمجتمع الدولي.

اما اللافت في الموضوع السوري حالياً وفي تشعباته الاقليمية والدولية، يقول المتابعون الاميركيون انفسهم، فهو ان اليهود الاميركيين والاميركيين من غير اليهود الذين يؤيدون بل يدعمون اسرائيل "ظالمة او مظلومة"، بدأوا حملة منظمة وقوية تهدف الى الضغط على الرئيس اوباما كي يدرس جدياً اتخاذ اجراءات شديدة القسوة ضد نظام آل الاسد، مثل إقامة منطقة حظر طيران فوق سوريا او مناطق، ومثل فرض حصار او حصارات… الى آخر ما هنالك من اجراءات. واللافت في هذا الامر هو انه يعكس اذا استمر تغييراً جدياً في موقف اسرائيل من النظام السوري.

ذلك ان تلاقي المصالح معه، وليس التحالف او "التفاهم السري" بينهما الذي يؤمن به اصحاب المخيلات الواسعة، فرض عليها التمسك به والدفاع عنه وخصوصاً داخل اميركا واوروبا، انطلاقاً من نظرية ان شراً تعرفه قد يكون افضل من خير تتعرّف اليه. واللافت ايضاً، يضيف المتابعون انفسهم، هو عودة الاتصال وإن خجولاً وسرياً بين تركيا واسرائيل وهو ربما عودة بعض التنسيق في امور عدة.
طبعاً هناك امر لافت آخر يشير الى تناقض في أقوال المتابعين الأميركيين، هو ان التعويل على تحرك الجامعة العربية يعني ان اوباما لم يقفل الباب بعد امام الاسد. إلاّ اذا كان ينتظر ذريعة لذلك. 

السابق
وعود سنيورية !!
التالي
بانتظار المكيال الواحد!