بانتظار المكيال الواحد!

لا تزال ارتدادات الإرتباط الداخلي اللبناني بمحيطه وأزماته تتفاعل فصولاً، فكلما طويت صفحة، فُتحت صفحات قابلة للأخذ والرد، وكأن الأقدار شاءت للوطن الصغير ألا يعرف الإستقرار قبل أن يستتب في سائر دول المنطقة، وهو أمر مستحيل حسب تشابك التاريخ السياسي مع المطامع الإنسانية في لعبة الأمم المستمرة من زمن إلى آخر!
ويبقى سحب التداول والسجال حول موضوع تمويل المحكمة، وهو الملف الشائك على الساحة الداخلية اليوم، إتاحةً لفرص التشاور الجدّي لإيجاد المخارج المقبولة، والتي تراعي موقف الأكثرية منه دون استفزاز أو استعداء المجتمع الدولي، وهو ثمن ليس بمقدور لبنان تحمّله، مهما بلغ دعم <دول الممانعة>، <الحل> الأفضل للحفاظ على الهدوء المحلّي بعيداً عن الاستثمار السياسي والشحن الشعبوي·

فإذا كانت المحكمة الدولية قد مُرّرت <سرقة> في مجلس الوزراء، بعدما كانت محط إجماع وطني حول طاولة الحوار، فإن سحب التمويل عنها اليوم في حكومة اللون الواحد، والتي تُخالف ميثاق العيش المشترك والوحدة الوطنية التي شلّت الحياة السياسية لأشهر في السنوات السابقة، حتى أُعطي للأقلية حينها حق تعطيل الحكومة وقراراتها، إنما تسرق من اللبنانيين أجمعين فرصة إحقاق العدل وتأمين الحماية، ليس لفريق دون الآخر، بما أن القرار الدولي إذا اتخذ في حق لبنان بعودة الأحداث الأمنية وإشعال الفتن الداخلية عبر الإستهدافات والإغتيالات، إنما ستكون الكادرات والشخصيات من المعسكرين كبش محرقته وسيقع الشعب، بمختلف إنتماءاته وأطيافه ضحية المصالح والصفقات الخارجية، حيث يُرمى به في اتون الإقتتال الطائفي السهل في أرض أكثر ما تكون خصوبة له، وأكثر عقماً للعيش المشترك والمصلحة الوطنية الواحدة·

 

وإذا اعتمدنا أسلوب السيّد نصر الله في تحكيم العقل وقياس السلبيات مقابل الإيجابيات الذي يعتمده في خطاباته والذي يُحاكي عقل الجمهور بشكل مُبسّط وسهل، نجد أن أهون الشرّين في قضية المحكمة هو التراجع عن الموقف الرافض لها، والموافقة على تمويلها، تفادياً لدفع ثمن أغلى عند تراجع لبنان عن إلتزاماته الدولية ووقوعه في خانة <الدول المارقة> التي تواجه المجتمع الدولي دون وجه حق، أو حتى دون سلاح شرعي يُذكر·

فكما قدّم لبنان وشعبه الغالي والنفيس في دعم المقاومة في مواجهة العدو الإسرائيلي، وسقط شهداء وتهدّمت قرى بأكملها <فداءً للوطن وكرامته>، وكان التحرير والإنتصار هدفاً رخصت الأثمان للوصول إليه، يبقى أمن الوطن اليوم ووحدة شعبه لإبعاد شبح الإقتتال الطائفي والفوضى الأمنية هدفاً جامعاً ترخص الأثمان في سبيله مهما كثرت التضحيات، في محيط يعجّ بالفتن وتضارب المصالح والتدخلات الخارجية في دوله!

فهل تنجح المساعي في جمع الأقطاب حول طاولة حوار جامعة أكثر منها منقسمة، حيث سلاح المقاومة موضع إجماع لكل اللبنانيين دون استثناء، شريطة ألا يُستخدم في الداخل، وإبقاء لبنان عضو فاعل في المجتمع الدولي، يحاول تحقيق المكاسب عبر التعاون وليس الخسائر عبر مواجهته في قضية محكومة هي خاسرة حتى قبل أن ينظر إليها؟

السلاح والمحكمة وجهان لإشكالية واحدة، أمن لبنان واستقراره، وهما محكومان بالتوافق لأن الخلاف حولهما مفتوح على نهايات مجهولة لن تُحمد عُقباها ولن يخرج منها رابح!

إذا ما قرّر حزب الله، كونه المايسترو في هذه القضية، الكيل بمكيال واحد في مقاربة هذا الملف، يكون لبنان المنتصر الأكبر·· أو بالأحرى الناجي الأكبر من حرب أهلية، خاصة أن سيف الحرب الإقليمية لم يُرفع عن رقابنا بعد، بانتظار الفرج في الملف السوري، كما بشّرنا قبل أيام! 

السابق
هل تنتظر اميركا فعلاً الجامعة العربية؟
التالي
اللواء: إقرار تعديل سلسلة رواتب أساتذة الجامعة يمهّد لسلاسل القطاع العام وإنهاء الإضراب