حزب الله يطلب الربح ولو في الصين

تشكل زيارة «حزب الله» لروسيا ومن ثم الصين، بلا ادنى شك انجازا سياسيا للحزب واطلالة مباشرة له على نحو ثلث العالم الموزع بين بلد المليار والـ 300 مليون صيني وبلد الـ 300 مليون روسي.
ولا تكمن اهمية الزيارتين في انهما تفتحان امام «حزب الله» المديين الروسي والصيني الواسعين فحسب، او في كونهما تكسبانه حضورا مباشرا وحيوية سياسية اضافية على هذه البقعة الشاسعة من العالم، بل في كونهما تكسران الحدود والموانع التي وضعها الخارج امام الحزب منذ نشأته قبل ما يزيد على ثلاثين سنة، وتشكلان تحديا صريحا للتصنيف الاميركي والغربي عموما لـ«حزب الله» بأنه منظمة ارهابية، وتسقطان المحاولات الاميركية والغربية الدؤوبة لتكبيله وخنقه تحت عنوان الارهاب.
لماذا هذا الانفتاح على «حزب الله»، في لحظة تعيش فيها منطقة الشرق الاوسط مرحلة استثنائية؟
ليس سرا ان لـ«حزب الله» رمزيته وحساسيته وسمعته الاستفزازية للاميركيين وحلفائهم، وأن هذا الحزب من لحظة نشوئه مطارَد من قبل كل هؤلاء الذين لم يدخروا وسيلة او فرصة الا واستغـــلوها، إن لم يكـــن للقضاء عليه فلإخضاعه وترويضه وتحجيمه وإحضاره الى بيت الطاعة الاميركي؟  
أي مراقب يذهب الى الاستنتاج فورا أن الانفتاح الروسي والصيني على «حزب الله» ليس انفتاحا عفويا او مندرجا في سياق بروتوكولي تقليدي، بل يشي بكل صراحة بأنه ترجمة موضوعية لـ«قرار كبير» من كلتا الدولتين العظميين، تتجاوزان فيه كل الاعتبارات والتحفظات والموانع والقيود الاميركية على «حزب الله» التي لطالما راعتها روسيا والصين في ما مضى وحتى الأمس القريب، وكانتا حريصتين طوال تلك الفترة على عدم استفزاز او ازعاج الاميركيين الى هذا المستوى. أما خلفيات واسباب هذا الانفتاح، فيردها احد الدبلوماسيين المخضرمين الى ما يلي:

اولا، ان الولايات المتحدة قد تمادت في محاولة فرض اراداتها على كل العالم والاستئثار بمقدراته، والإضرار بمصالح الدول الكبرى، وتحديدا روسيا والصين، ما دفعهما الى القيام بما يشبه «انتفاضة سياسية» في مواجهة المعسكر الاميركي الغربي لاستعادة الدور او ما تبقى منه في المنطقة، وعلى الأقل لحماية ما تبقى من مصالحهما التي انتكست في منطقة الشرق الأوسط، وتحديدا في ليبيا والعراق، وقدما أولى اشارات تلك الانتفاضة من خلال «الفيتو» الذي رفعاه منعا لاستهداف سوريا.
ثانيا، ان الخطوات الروسية الصينية السياسية الهجومية، سواء بالفيتو في مجلس الامن أو بالانفتاح على «حزب الله»، تعكس حجم الاشتباك العميق بين هاتين القوتين وبين المعسكر الاميركي – الغربي، وتشكل تعبيرا واضحا وصريحا عن خروجهما من طور الانكفاء الى طور المبادرة والهجوم، كما تشكل تصريحا علنيا من قبل هاتين القوتين امام كل المجتمع الدولي، بأن النفوذ الاميركي بدأ يفقد فعاليته التي تراجعت الى الحد الادنى، ولا بد من ملء الفراغ.
ثالثا، ان هذه الخطوات الروسية الصينية تعكس توجها اكيدا لديهما الى محاولة تظهير مشهد سياسي جديد في المنطقة. وما الفيتو والانفتاح على «حزب الله» سوى ايذان صيني وروسي ببدء حقبة عالمية جديدة عنوانها الوهن والتراجع اللذان تعيشهما الولايات المتحدة، ليس على مستوى الشرق الاوسط بل على مستوى العالم.

رابعا، ان الانفتاح الروسي الصيني على «حزب الله»، معناه خرق المحرمات الاميركية، وتوجيه ضربة الى كل اعداء الحزب من دون الاكتراث بأي رد فعل قد يصدر عنهم والتأكيد ان «حزب الله» ليس جزءا اساسيا من المعادلة اللبنانية فقط، بل من المعادلة الاقليمية.
خامسا، ان التوقيت السياسي للانفتاح الروسي والصيني على «حزب الله» يجعل من أي كلام عن مصادفات زمنية بين الحدثين في غير موقعه وفاقدا لأي معنى، خاصة ان هذا المشهد يعبر عن نفسه وعن ارتباطه الكلي بالحدث السوري والعربي، لا بل هو يعكس عمق الاشتباك الدولي حول سوريا، و«حزب الله» جزء منه.
سادسا، لا يغيب عن بال الروس والصينيين وجود محكمة دولية، وبالتالي فإن توقيــت الانفتــاح الروسي والصيني على «حزب الله» له مغـــزى بالغ الدلالة، خاصــة انه يصيب قصدا او عن غير قصد تلك المحكمة، اذ انه يأتي في لحظة حساسة تتزامن مع بدء المحاكمات الغيابية لأفراد «حزب الله» الواردة اسمــاؤهم في القرار الاتهامي للمدعي العام للمحكمة دانيال بيلــمار كمتــهمين باغتيال الرئيس رفيق الحريري. 

السابق
التنظيم… مفتاح الفوز الانتخابي
التالي
جنجيان: التنصل من التزامات المحكمة له عواقب وخيمة