الحوار بشروط سورية

تدل المشاهد التي بثتها وسائل الإعلام حول التظاهرات الرافضة للتدخل الأجنبي في سورية على جملة أمور أهمها أن غالبية الشعب السوري ما زالت متمسكة بدولتها ونظامها، مع حرصها الشديد على ادخال تعديلات جذرية على القوانين المرعية الإجراء في محاولة لإصلاح الخلل، وهو أمر طبيعي يجب أن يحصل بين الحين والآخر في أكثر الدول تطورا في العالم.

ما تدل عليه تلك المشاهد ايضا هو تعرية المعارضة المسلحة من كل شعارات الإصلاح الذي تنادي به، والذي باتت اهدافه مكشوفة أمام الرأي العام السوري أولا، وباقي شعوب المنطقة وربما العالم بأسره ثانياً، إذ إن الدول الراعية لتلك المعارضة تعرف على وجه التحديد ما هو حجمها وما هي الأبعاد التي تحركها، لأن تلك الدول هي من وضعتها لها ورسمت طريقها. لكن تظاهرات الأمس ردت بشكل مباشر على آخر التحركات الدولية باتجاه الضغط على سورية والمتمثلة بالمبادرة العربية التي انبثقت عن آخر اجتماع لمجلس وزراء الخارجية العرب الذي عقد في القاهرة الأسبوع الماضي برئاسة دولة قطر رأس حربة "الربيع" الأميركي في العالم العربي. 
الى أين يمكن أن تفضي جهود اللجنة العربية التي رأت أمس بأم عينها استقبال الشعب السوري لها، حيث عمد الى توجيه رسالة إلى تلك اللجنة مفادها أن سورية ليست بحاجة الى تلك الجهود وأن مبادرتها مرحب بها فقط اذا كانت تلتزم ثوابت سورية في إدارة أزمتها، علما أن الحكومة السورية لا يمكن أن تسمح بانتزاع اعتراف بما يسمى المعارضة تحت ضغط دولي أو عربي، أو حتى تحت ضغط العمل المسلح والتخريب الحاصلين في أكثر من مكان على الأراضي السورية، ذلك أن امر الاعتراف هو أحد أهم اهداف اللجنة العربية بحسب مصدر مقرب من المساعي التي تبذلها الجامعة العربية بتوجيه أوروبي – أميركي.

لسورية نهجها الثابت للاعتراف بمعارضتها، وهي كانت دعت الى حوار قبل ان تنطلق الجامعة بالفكرة. في حين أن من خرَّب الحوار ونصح الجزء المعارض بأن لا يسير فيه هم من يحاول الآن الذهاب باتجاهه، بغرض نيل الاعتراف، بعدما لمس هؤلاء أن معركتهم التي خاضوها على مدى أكثر من ستة اشهر لم تفض الى شيء يذكر، وأن الضوء الذي بدأ يلوح في نهاية النفق المظلم الذي أدخلوا البلاد فيه، من دون تسجيل أي تقدم، لن يكون في مصلحة تلك الجماعات و"تموضعها" ولن يخدم فرض أي شروط على الحكومة، أو حتى توفير الحماية من الملاحقة بتهمة الإخلال بالنظام العام وتعريض أمن الدولة للخطر الداخلي والخارجي. لكن سورية فتحت أمس ابوابها للجنة العربية كدولة مستعدة لإظهار حقها في ممارسة كامل سلطاتها، والعمل بالحد الاقصى من الدبلوماسية في وقت يسعى فيه الغرب الى تصويرها على انها دولة مارقة.

لا يمكن فهم مبادرة الجامعة ولجنتها الا في إطار التفتيش عن مخرج للأزمة العربية – الغربية مع سورية، بعدما سجلت جملة من الإخفاقات تمثلت اولا بعدم نجاح مخطط إغراق سورية في حرب اهلية، كما عدم قدرة الدول على تنفيذ تدخل عسكري لا إقليمي من خلال ما كان يحضر عن طريق تركيا، ولا من خلال عملية عسكرية شبيهة بتلك التي نفذها حلف شمالي الأطلسي في ليبيا، ناهيك عما سجل في لائحة الإخفاقات من تراجع اميركي إن على مستوى الخطاب السياسي والإعلامي، أو على مستوى خطوة مغادرة السفير الأميركي، وما رافقها من التباسات حول الأسباب التي مهما تعددت فإن سورية ردت عليها بموجب الأعراف الدبلوماسية باستدعاء سفيرها من واشنطن للتشاور.

ما رشح عن لقاءات اللجنة العربية يشير الى أن سورية ابلغتها بأجندتها للحوار، وسقفه، والجهات المعنية به في سورية، بمعزل عن جهود الجامعة التي ترحب دمشق بمواكبتها للخطوات التي ستنفذها العاصمة السورية، بعدما تُوقِف الدول الراعية للجماعات المسلحة دعمها وتمويلها لها، كما تُوقِف الحملات الإعلامية والتحريضية التي تنفذها وسائل إعلامها على مدار الساعة.  

السابق
عن رحلتي في بلاد الأميركان (6): نيويورك وليس هوليوود.. مدينة الاحلام التي لا تنام
التالي
تحركات عسكرية للعدو في قرية الغجر وطيرانه يخرق الأجواء الجنوبية