التنظيم… مفتاح الفوز الانتخابي

في عام 1981 ترشح أخي، جون زغبي، لمنصب عمدة بلدة يوتيكا في ولاية نيويورك. وعلى غرار بلدات صناعية أخرى، في منطقة نيو إنغلند، كانت يوتيكا تعيش مرحلة تقهقر وتراجع حيث أغلقت العديد من المصانع التي كانت توظف عشرات الآلاف من العمال أبوابها ورحلت إلى الجنوب. ومع فقدان الوظائف، كانت المدينة قد بدأت مرحلة تراجع عميق.
كانت لدى جون خطة لإنعاش وإعادة إحياء المدينة الصغيرة حيث أعد دراسة تحت عنوان «يوتيكا 2000» يقترح فيها مخططاً اقتصادياً يمكن أن يقودها إلى القرن التالي. أسر عمله مخيلة العديد من المثقفين والمنظمات المدنية، مما شجعه على الترشح لمنصب العمدة. وحظي ترشحه بدعم المحطة التلفزيونية في يوتيكا وصحيفتها؛ كما كان مدعوما من الأساتذة في كلية المدينة، لكن آلة الحزب الديموقراطي في المدينة كانت مهددة بهذه الحملة الصاعدة وتعبأت ضدها. وهكذا، خسر جون السباق التمهيدي الديموقراطي.
وأتذكر حديثا بين جون والسيناتور السابق جيمس أبو رزق بعد وقت قصير على الانتخابات، شرح فيه جون للسيناتور كيف هزم على يد الآلة السياسية؛ وحكى له كيف قام خصومه بتأجير سائقين لأخذ الناس إلى مكاتب الاقتراع، وزودوهم بعينات من أوراق التصويت معلمة تشير إلى مرشحيهم، وكيف استعملوا المال من أجل استمالة الناخبين.
غير أن موقف أبو رزق من الانتخابات كان واضحا: «إذن ما تقوله لي هو أنهم تفوقوا عليكم من حيث التنظيم». لم يكن ذلك ما كنا نود سماعه، لكنها الحقيقة التي لا مراء فيها!
الواقع أن جوهر السياسة في بلد ديموقراطي هو التنافس على السلطة. فأفضل الأفكار لا تفوز دائما، ولا أفضل المرشحين. بل الجانب الذي يكون أكثر تنظيماً وفاعلية هو الذي ينتصر ويصل إلى السلطة.
هذا هو الدرس الذي تعلمناه في 1981، وهو درس يتم تعلمه اليوم في دولتي «الربيع العربي»، تونس ومصر، حيث ستقرر الانتخابات قريبا أي جانب سيتسلم السلطة ويجني ثمار الثورة.
 
الانتفاضات في كلا البلدين سميت «ثورات الفيسبوك»، لكنها لن تعرف «انتخابات الفيسبوك». فوسائل التواصل الاجتماعي لم تكن سوى أداة اتصال مكَّنت الثوار من كسر احتكار النظام للمعلومات، والتواصل بعضهم مع بعض، وتعبئة المحتجين. لقد استطاعوا استعمال هذه الأدوات بذكاء ليس من أجل التنظيم في الشوارع فحسب، وإنما أيضا لإيصال رسائل قوية إلى العالم الخارجي والكشف عن تسلطية حكوماتهم.
لكن ما لا نعلمه حتى الآن هو ما إن كان هؤلاء الثوار سيستطيعون تنظيم الناخبين والفوز بالانتخابات باستعمال الأدوات نفسها، أم أن المنظمات الأقدم التي تحظى بدعم واسع هي التي ستنتصر في النهاية؟
مؤشر مبكر على حدود وسائل التواصل الاجتماعي كأداة تنظيم جاء مع الاستفتاء الوطني على «الإصلاح الدستوري» الذي أجري في مصر في آذار الماضي، حيث كان الاختلاف بين الجانبين واضحاً. فالثوار الشباب والعديد من الإصلاحيين التقدميين رفضوا الإصلاحات التي اقترحها المجلس الأعلى للقوات المسلحة، بينما دعم «الإخوان المسلمون» وأحزاب قديمة أخرى مقترح الجيش، بعدما وجدوا أن العملية التي يقترحها الإصلاح تدعم حظوظهم للفوز بالانتخابات المقبلة وتضعهم في مقعد السائق لكتابة الدستور الجديد.

والواقع أن دراسة لما ينشر في وسائل الاتصال الاجتماعي خلال الفترة التي سبقت التصويت، لاحظت فوزاً واضحاً للثوار في معركة «الفيسبوك» بهامش واسع يصل عشرات الآلاف، مقابل بضعة آلاف فقط تؤيد الدستور. وكان أصدقاء لي مرتبطون بالأحزاب التقدمية، واثقين من الانتصار. وإضافة إلى أنهم كانوا يحظون بدعم أشهر المرشحين الرئاسيين، مثل موسى والبرادعي، فقد كانوا مقتنعين بأنهم يحظون بدعم الأغلبية. لكن النتيجة النهائية أظهرت كم كانوا مخطئين، حيث فازت الإصلاحات بهامش كبير بعد أن صوت لصالحها 77 في المئة مقابل معارضة 23 في المئة.
والواقع أنه علينا أن نكون مستعدين لقبول نتيجة قد تكون مخيبة لآمال البعض، لكنها لا ينبغي أن تكون مفاجئة لأحد. فالأحزاب الجديدة التي يشكلها أشخاص قادوا الثورات لم تنضج بعد، وجذورها ليست عميقة بما يكفي للتنافس بفعالية. غير أن الفصول النهائية للثورتين لن تكتبها نتائج أول انتخابات، ذلك أنه إذا ظل الثوار على النهج نفسه وأنشأوا منظمات قوية وحافظوا على التزامهم بالحرية والحقوق الديموقراطية، فسيستطيعون أن يصبحوا جزءاً دائماً من المشهد السياسي. فوقتهم سيأتي لا محالة! 

السابق
مشـروع سـوق الخضـار يحلّ أزمـة السير في النبطية
التالي
حزب الله يطلب الربح ولو في الصين