مغانم السلطة ومغارمها

تشعر المعارضة بالسعادة المطلقة وهي تواكب الورشة الحكومية المثقلة بالأعباء الناجمة عن التركة التي خلفتها الحكومات السابقة، والتي ينوء بحملها أكبر البلدان. هي تقرأ في كتاب المشاكل السياسية والامنية والمعيشية والادارية، وتسخر من القائلين والمتفائلين بقدرة الحكومة على المعالجة، وتراهن في الوقت نفسه على أن أعباء السلطة ستسقط الفريق الوزاري عاجلا أم آجلا. وتبرز هذه الرؤية جلية في وسائل الإعلام المعارضة التي تعمل جاهدة على تضخيم كل كبيرة وصغيرة، لتقليب الرأي العام على الحكومة، وهو أمر مشروع في النظم الديموقراطية اذا ما التزم جانب الأخلاق والمصداقية.

في هذا السياق، ينتظر أن تتصاعد الحملة على الحكومة من الباب الداخلي بعد انحسار الرهان على الأبواب الخارجية، خاصة انهيار النظام السوري الذي لا يبدو عمره قصيراً حتى الآن، وفق المعطيات المتوفرة في سوريا وخارجها. والعناوين الداخلية كثيرة بدءا من تمويل المحكمة الدولية وانتهاء بتعبيد آخر حفرة في قرية منسية، مرورا باستحقاق الموازنة والضرائب الواردة فيها، تصحيح الأجور ومطالب أساتذة الجامعة والمعلمين، التقنين الكهربائي وانقطاع المياه، الاستقرار الامني وتكاليفه، الدين العام وخدمته وغير ذلك من القضايا المزمنة.
 نجيب ميقاتي كان يعرف سلفا حجم المشاكل الداخلية التي تواجه حكومته، ولذلك فهو يتعاطى بهدوء مع الانتفاضة الاجتماعية ويحاول استيعاب الامور بعنق الجمل. وهو بلا شك ليس خائفا من المعارضة وتصعيدها، ويعرف ان الحكومة بمكوناتها السياسية تحظى برصيد شعبي واسع ووازن «حتى الآن»، لكنه يخشى على الحكومة من مكونات الحكومة نفسها، وفيها من عناصر الاشتباك ما يربك مسيرتها ويحول دون تحقيق العديد من الإنجازات التي تعزز ديمومتها ونجاحها. وتصح في حالة ميقاتي الحكمة المأثورة :«رب احمني من أصدقائي، أما أعدائي فأنا كفيل بهم».

غير ان ما يجب ألا يغيب عن بال رئيس الحكومة، ان للسلطة مغانم كثيرة، لكن مغارمها أكبر من مغانمها اذا لم يحسن الحاكم إدارة الامور، وخير الطرق لتجنب المغارم ان يتجه الحاكم نحو الناس، فيغلِّب مصالحهم وهمومهم على مصالح الساسة، فإن نجح يكون له أجران، وإن فشل فأجر واحد. وميقاتي يملك من المقومات ما يؤهله لأن يحتل قلوب العامة، باعتداله ودماثته واستطاعته فعل الخير. ولا يخيب أبدا من تكون ضالته العامة.
كل الامور في لبنان قابلة للتسوية، وكل عقدة ولها حلاّل، وشيخ الحلاّلين يعرفه ميقاتي جيدا، ولا يعجز عن اللجوء اليه في أوقات الشدة، ولو سيرا على الأقدام، فمقره ليس بعيدا عن فردان، ومخرج الروائع حاضر للمساعدة. وعندما تضيق المخارج اتركوا الأمر لـ«سبيلبرغ» عين التينة! 

السابق
غصن: ذاهبون إلى الإضراب ونقطة على السطر
التالي
التعايش الاشتراكي العوني تركيبة قسرية