أزمة اللبنانية وأزمة الطلاب

ليست فترة قليلة تلك التي تفصل عن اليوم الذي أعلن فيه الأساتذة المتفرغون في الجامعة اللبنانية إضرابهم. سوف "يحتفل" الأساتذة اليوم بمضي الشهر الأول على الإضراب من دون أن يحققوا أيا من مطالبهم. اليوم أيضا موعد انعقاد جلسة مجلس الوزراء، ونتيجتها ستحدد الخطوات اللاحقة: إما أن يوقف الأساتذة تحركهم أو سيعلنونها معركة "عليّ وعلى أعدائي": الإضراب المفتوح!
يجري كل ذلك من دون أن نشهد تحركا طلابيا يقف خلف مطالب الأساتذة ويحذر من استمرار الإضراب الذي بات يهدد العام الجامعي برمّته. والاستثناء الذي سجّل في اليومين الماضيين، لجهة اعتصام "الآداب" وكذلك اعتصام "مجمّع الحدث"، لم يحقق الكثير، فضلا عن المشاركة الخجولة فيهما.

تمرّ الأزمة إذاً مرور الكرام، من دون أية ردة فعل حقيقية من طلاب الجامعة اللبنانية، إلا ربما بعض التساؤلات التي تسمع هنا وهناك: لماذا لم يبادر هؤلاء إلى التحرك ضد "استخدامهم" من قبل أساتذتهم للضغط على الحكومة، كما يقول بعض الطلاب المتضررين من تأخير موعد امتحانات الدورة الثانية وتأجيل العام الجامعي؟ ولماذا لم تنفّذ تحركات طلابية حقيقية للضغط على الحكومة اللبنانية لتلبية مطالب الأساتذة من جهة، والمطالبة بحقوقهم المهدورة منذ سنوات، من جهة ثانية؟  
عند التدقيق في أحوال الجامعة اللبنانية، لن يكون من الصعب الاستنتاج أن هناك فئة قليلة من الطلاب تتابع وتهتم بما يجري في جامعتها، وتحاول العمل على تحسينها. هناك أيضا فئة أكبر بقليل، تعرف ما يجري، لكنها ليست مهتمة، بل تجلس في انتظار التطورات، من دون أي تفاعل من جانبها ربما يؤدي إلى تسريع حلّ أزمة تعليق الامتحانات والدروس. الفئة الثالثة تتألف من الطلاب الحزبيين أو المؤيدين والممثلين للأحزاب في كليات الجامعة. وهؤلاء تحديدا، لن يكون لهم أي دور أو تحرك إن لم يأت في إطار الأحزاب وتوجيهاتها. فكيف يكون ممكنا تحقيق مطالب طلابية وتحسين وضع جامعة بأكملها في ظل لامبالاة أغلب الفئات الشبابية والطلابية، أو انتظارها دعما سياسيا لن يتحقق ما دام ذلك سيشكل ضغطا على سلطة تتشكل من الأحزاب نفسها التي ينبثق منها هؤلاء الشباب؟!
لن تضغط أحزاب الموالاة، عبر شبابها، على نفسها وعلى حكومتها، وهي التي "تأخذ كامل وقتها" في دراسة مشاريع حيوية وإقرارها وتنفيذها، بما يلائم مصالحها المشتركة أولا. لن تضغط لتحقيق مطالب الأساتذة ولا لحماية مصالح "أبنائها". أما أحزاب المعارضة الجديدة، فهي غائبة أيضاً عن هذه المطالب وغيرها من القضايا المرتبطة بأمور اجتماعية أو معيشية، لأنها تعلم أكثر من غيرها أنها كانت واحدا من الأسباب التي أدت إلى وصول الأزمة إلى هذا الحد، بسبب تأجيل الحكومات السابقة البت بمثل هذه القضايا.

أما الشباب، المستقلون منهم والمحزبون، فيتخلّون عن مسؤوليتهم التي تتعلق أولاً، وقبل أي أمر آخر، بمستقبلهم. شهر مرّ على الإضراب والطلاب يتفرّجون فحسب، فيما يستمر تعليق امتحانات الدورة الثانية وما لحقه من مصائب طالت الكثير من الطلاب. ألم يلحظ هؤلاء أن الوقت مناسب للخروج إلى الشارع والمطالبة بحقوقهم، كما يفعل أساتذتهم؟ ألم ينتبهوا إلى أن مشكلة إقرار سلسلة الرتب والرواتب ليست المشكلة الوحيدة التي تعاني منها الجامعة اللبنانية، بل ان هناك الكثير من المطالب التي يجب تحقيقها لإنصاف طلاب هذه الجامعة؟؟
تمرّ السنوات من دون أن يعير أحد من المسؤولين وقادة الأحزاب أي انتباه للجامعة "الوطنية"، حتى صارت مشكلات الطلاب أمرا معتادا يحاول الجميع التكيّف معها!
أزمة الجامعة اللبنانية كشفت الجميع: لا الأطراف المشاركة في الحكومة قادرة على التجاوب مع مطالب شعبها، ولا المعارضة قادرة على القيام بواجبها الفعلي، خصوصاً أنها شريكة في المشكلة، بسبب تخاذلها زمن حكمها. أما الطلاب الذين لا يسمع صوتهم إلا بعد فوات الأوان.. فحالهم كحال بقية فئات المجتمع، من العمال وسائقي الأجرة، والمتضررين من النظام الصحي.. وغيرهم من أصحاب المعاناة في لبنان.
في لبنان كل الظروف مؤاتية لتقوم ثورة. لكن الثورة تحتاج لثوّار.. والثوّار نيام. 

السابق
ضحايا نصب حملة الحج يعتصمون في صيدا
التالي
زمن السلمية يوشك أن ينتهي..حذار السلاح!